Tuesday 31 May 2011

الثورة في حمص: تجربة حي القصور

نُشرت هذه القطعة النفيسة أمس في صفحة "طل للأنباء"، أنقلها كما هي حرفياً (مع بعض التحرير اللغوي الضروري فقط). تستحق القراءة والتوزيع.

طل للأنباء: فراس الأتاسي (كما وصلتني)

الثورة في حمص: تجربة حي القصور

من أحد أبناء القصور، أحد أبطالها. الوصف رائع والتكتيكات أروع، اقرؤوها وعمّموها: القصور في حمص تعطي دروساً في الثورة: لم يتبادر إلى ذهني بأن هذه البنايات الشاهقة التي طالما أوحت بصمت يشبه صمت القبور تستحق فعلاً اسمها "القصور". في حمص كانت وما زالت القصور ملجأ آمناً لعائلات المناطق المداهَمة والمحاصَرة في حمص. منذ أسابيع وفي صلاة الجمعة اعترضوا على إمام المسجد لأنه دعا لبشار، فاستجاب الشيخ ولم يعد يذكر اسم الرئيس ولا يدعو له.

ثم تفاجأنا بتكتيك رائع يقوم على مظاهرات طيارة في الحي كل يوم مساء، تخرج أكثر من مظاهرة وفي اتجاهات متعاكسة لتأتي باصات الأمن وقد أسقط في يدها. ومع الزمن اعتاد سكان الحي على شبابهم وأصبح بعرف التقليد اليومي أن ينتظروهم على الشرفات والأبواب، فأصبحت المظاهرة تمرّ بينما المحلات مفتوحة والناس تحييهم وتدعو لهم، وبعدها يحضر الأمن مسرعاً ليجد الحياة طبيعية فيغادر، ثم تظهر مظاهرة أخرى، وهكذا.

بالأمس ليلاً، ليلة التكبير، اهتزت أبنية القصور العالية بالتكبير وأصوات الأذان المسجَّلة من على الشرفات، وطاف شبابها بمكبرات الصوت يدعون والناس تؤمّن من على الشرفات في ليلة قالت عنها زوجتي بأنها أجمل ليلة عاشتها في حياتها! وكلنا شاركناها ذلك الشعور. 

اليوم الجمعة، جمعة حماة الديار، تكتيك رائع في التظاهر أيضاً. مظاهرة تمر على دفعات متلاحقة في كل شوارع القصور تهتف ويهتف الناس معها من البيوت، وأخيراً اقتحم الأمن القصور راكباً وراجلاً، باصات الأمن دخلت مسرعة في الشوراع وأفرغت المئات من عناصرها وشبّيحتها وأخذو يضربون السيارات، ولكن ما لم يكن بحسبانهم أن سكان الحي لهم تكتيكهم أيضاً، فمنذ دخول أول عنصر أمن إلى الحي تنادى الناس، فخرجت مع الخارجين إلى الشارع، الناس على الشرفات والأسطح وأمام أبواب البنايات، أطفالاً ونساء ورجالاً وشباباً وشيوخاً، كلهم يكبرون بصوت عال، وبعض الشباب الصغار يمرّرون ما يشبه الحديدة على أبواب المحلات المغلقة فتصدر صوتاً يشبه صوت الرعد.

قذف الله الرعب في قلوب العصابات فهربوا فزعين. نعم، هربوا من كلمة الله اكبر! وكما بشر الرسول صلى الله عليه وسلم: هرب شياطين الإنس من ذكر الله ولهم ضراط! بعد أن هربوا بدأ بعض الرجال الكبار سناً وقدراً في كل شارع يعلمون الناس ويصيحون بالشارع: لا تدعوهم يدخلون بيوتكم وشوارعكم، ارموهم بالحجارة, بسطول الزريعة, بأكياس الزبالة، وحتى بالصحون والطناجر والكاسات الزجاجية... لا تدعو الأنذال يدخول الحي ولو على أرواحكم.

الناس -حسب ما أرى- كمن لا يصدق نفسه، كالأخرس الذي تعلم الكلام فجأة! كل فترة تسمع تكبيراً من إحدى الشرفات، فتردّ شرفة أخرى في شارع آخر، وكل ما ضاقت أخلاق واحد منا بيطلع شوي عَ البلكونة بيكبر: الله أكبر الله أكبر، ثم يرجع فيجلس مرتاحاً مطمئناً.

No comments:

Post a Comment