Tuesday 31 May 2011

خرافة «غياب البديل» في بلد مثل سوريا

الثورة في حمص: تجربة حي القصور

نُشرت هذه القطعة النفيسة أمس في صفحة "طل للأنباء"، أنقلها كما هي حرفياً (مع بعض التحرير اللغوي الضروري فقط). تستحق القراءة والتوزيع.

طل للأنباء: فراس الأتاسي (كما وصلتني)

الثورة في حمص: تجربة حي القصور

من أحد أبناء القصور، أحد أبطالها. الوصف رائع والتكتيكات أروع، اقرؤوها وعمّموها: القصور في حمص تعطي دروساً في الثورة: لم يتبادر إلى ذهني بأن هذه البنايات الشاهقة التي طالما أوحت بصمت يشبه صمت القبور تستحق فعلاً اسمها "القصور". في حمص كانت وما زالت القصور ملجأ آمناً لعائلات المناطق المداهَمة والمحاصَرة في حمص. منذ أسابيع وفي صلاة الجمعة اعترضوا على إمام المسجد لأنه دعا لبشار، فاستجاب الشيخ ولم يعد يذكر اسم الرئيس ولا يدعو له.

ثم تفاجأنا بتكتيك رائع يقوم على مظاهرات طيارة في الحي كل يوم مساء، تخرج أكثر من مظاهرة وفي اتجاهات متعاكسة لتأتي باصات الأمن وقد أسقط في يدها. ومع الزمن اعتاد سكان الحي على شبابهم وأصبح بعرف التقليد اليومي أن ينتظروهم على الشرفات والأبواب، فأصبحت المظاهرة تمرّ بينما المحلات مفتوحة والناس تحييهم وتدعو لهم، وبعدها يحضر الأمن مسرعاً ليجد الحياة طبيعية فيغادر، ثم تظهر مظاهرة أخرى، وهكذا.

بالأمس ليلاً، ليلة التكبير، اهتزت أبنية القصور العالية بالتكبير وأصوات الأذان المسجَّلة من على الشرفات، وطاف شبابها بمكبرات الصوت يدعون والناس تؤمّن من على الشرفات في ليلة قالت عنها زوجتي بأنها أجمل ليلة عاشتها في حياتها! وكلنا شاركناها ذلك الشعور. 

اليوم الجمعة، جمعة حماة الديار، تكتيك رائع في التظاهر أيضاً. مظاهرة تمر على دفعات متلاحقة في كل شوارع القصور تهتف ويهتف الناس معها من البيوت، وأخيراً اقتحم الأمن القصور راكباً وراجلاً، باصات الأمن دخلت مسرعة في الشوراع وأفرغت المئات من عناصرها وشبّيحتها وأخذو يضربون السيارات، ولكن ما لم يكن بحسبانهم أن سكان الحي لهم تكتيكهم أيضاً، فمنذ دخول أول عنصر أمن إلى الحي تنادى الناس، فخرجت مع الخارجين إلى الشارع، الناس على الشرفات والأسطح وأمام أبواب البنايات، أطفالاً ونساء ورجالاً وشباباً وشيوخاً، كلهم يكبرون بصوت عال، وبعض الشباب الصغار يمرّرون ما يشبه الحديدة على أبواب المحلات المغلقة فتصدر صوتاً يشبه صوت الرعد.

قذف الله الرعب في قلوب العصابات فهربوا فزعين. نعم، هربوا من كلمة الله اكبر! وكما بشر الرسول صلى الله عليه وسلم: هرب شياطين الإنس من ذكر الله ولهم ضراط! بعد أن هربوا بدأ بعض الرجال الكبار سناً وقدراً في كل شارع يعلمون الناس ويصيحون بالشارع: لا تدعوهم يدخلون بيوتكم وشوارعكم، ارموهم بالحجارة, بسطول الزريعة, بأكياس الزبالة، وحتى بالصحون والطناجر والكاسات الزجاجية... لا تدعو الأنذال يدخول الحي ولو على أرواحكم.

الناس -حسب ما أرى- كمن لا يصدق نفسه، كالأخرس الذي تعلم الكلام فجأة! كل فترة تسمع تكبيراً من إحدى الشرفات، فتردّ شرفة أخرى في شارع آخر، وكل ما ضاقت أخلاق واحد منا بيطلع شوي عَ البلكونة بيكبر: الله أكبر الله أكبر، ثم يرجع فيجلس مرتاحاً مطمئناً.

جمعة

رسائل الثورة السورية المباركة (22)
السبت 28 أيار 2011

جمعة حماة الديار
مجاهد مأمون ديرانية

كنت قد أنذرتكم في مطلع رسالتي الماضية بأني لن أعود إلى متابعة وإحصاء مواقع الثورة بعدما اتسعَت رقعتُها وانتشرت في طول سوريا وعرضها، لكني استدركت فوجدت أن الجهد العظيم الذي يبذله الأبطال في الساحات يستحق جهداً متواضعاً يبذله مثلي في التغطية، وليكن هذا هو سهمي في الثورة، مظاهرات على الورق بدلاً من المظاهرات على الأرض... وأين هذه من تلك؟

استقبلَت مدنُ ومناطق سوريا الثائرةُ يومَ الجمعة بمعنويات محلقة في عنان السماء على إثر أجواء الحماسة التي عاشتها مع التكبير الليلي، ففي منتصف الليل ومع الاقتراب من فجر الجمعة ارتجّت مدنُ سوريا بالتكبيرات المدويّة، وشملت حملةُ التكبير المدنَ التالية: اللاذقية، جبلة، بانياس، درعا البلد، درعا المحطة، إنخل، داعل، الحراك، بصرى الشام، بصرى الحرير، الجيزة، المسيفرة، ناحتة، دمشق (المعضمية، برزة، ركن الدين)، دوما، الزبداني، مضايا، سرغايا، بقين، حمص، تلبيسة، كفرنبل، تلكلخ، الرستن، إدلب، حماة، حلب (حي الشعار)، دير الزور، البوكمال، تدمر.

سقط في ليلة التكبير خمسة شهداء في بلدة داعل (استشهد ثلاثة على الفور واستشهد اثنان من المصابين اليوم، السبت) وشهيد في جبلة، رحمهم الله.

حاولت أن أحصر -فيما يلي- أسماء المناطق المشتعلة في جمعة حماة الديار، ولكني لا أستطيع أن أجزم بأن ما في هذه القائمة هو كل ما شهد مظاهرات من المدن والقرى حصراً، لأني ما أزال أكتشف أن كثيراً من المناطق النائية والصغيرة تتأخر أخبارها في الوصول أو أنها لا تصل أصلاً، وكثيراً ما نعرف بمشاركة قرية صغيرة حينما نقرأ أسماءَ شهدائها. لذلك سوف أستغل رسالتي هذه لأرجو كل متظاهري القرى والمناطق -مهما كانت صغيرة- أن يُطْلعوا صفحات الثورة على أخبار مظاهراتهم، فكل مشاركة مهما كانت صغيرة ترفع الروح المعنوية وتشجّع الآخرين.

عدد المواقع الساخنة التي أمكن تحديدها هذا الأسبوع قريب من عددها في الجمعة الماضية، ويبلغ 174 موقعاً (على الأقل)، وإليكم التفصيل:

دمشق وضواحيها (14 موقعاً): العقيبة، البزورية، مدحت باشا، ركن الدين، الميدان، الشاغور، القابون (مظاهرة نهارية ومظاهرة ليلية)، برزة، المعضمية، كفرسوسة، نهر عيشة، الحجر الأسود، التضامن، القدم (3 مظاهرات).
ريف دمشق (19 موقعاً): برزة البلد، داريا، قطنا، التل، دوما (عدة مظاهرات، رغم الحصار)، حرستا، سقبا، زملكا، عربين، حمورية، جسرين، الكسوة، مضايا، الزبداني، الضمير، زاكية. ومدن وبلدات القلمون: قارة، يبرود، النبك.
حلب وريف حلب (6 مواقع): حلب (سيف الدولة، صلاح الدين)، منبج، دارة عزة، تل رفعت، عين العرب (كوباني).
حمص (20 موقعاً): باب السباع، حي المريجة، حي الخضر، البياضة، دير بعلبة، طريق الشام، الحمراء، الغوطة، الإنشاءات، بابا عمرو، الخالدية، باب الدريب، الوعر القديم، الوعر الجديد، العدوية، حي عشيرة، القصور، المحطة، كرم الشامي، القرابيص.
بلدات وقرى حمص (11 موقعاً): قرى الحولة: كفرلاها، تلذهب، الطيبة، عقرب، طلف: تجمعت في تلدو. تيرمعلة، الغنطو، تلبيسة (والقرى القريبة)، القصير، تلكلخ.
حماة وقراها وقرى سهل الغاب (14 موقعاً): حماة (مظاهرات عديدة وحاشدة جداً)، طيبة الإمام، صوران، حلفايا، كفرزيتا، قلعة المضيق، قسطون، الحواش، الزيارة، عين الطاقة، العمقية، الحرية، الحويز، العنكاوي.
محافظة إدلب (30 موقعاً): إدلب، معرة النعمان، الرستن، جسر الشغور، أريحا، كفرنان (قرية علوية)، بنش، معرتمصرين، بداما، جرجناز، الغدفة، كفرنبل، كفررومة، كفرعويد، حاس، بسقلا، البارة، تلمنس، معرشورين، معرشمشة، معرشمارين، دير الشرقي، دير الغربي، معرحطاط، شنان، بلين، البارة، بليون، كنصفرة، حزارين.
محافظة الحسكة ومنطقة الفرات (24 موقعاً على الأقل): القامشلي، عامودا، الدرباسية، رأس العين، الرقة (منطقتان)، تدمر، البوكمال، دير الزور (6 مناطق)، الميادين، القورية، شحيل، الطيانة، البصيرة. كما تظاهرت عشائر بكارة والعقيدات والبوسرايا وجبور وشمر في جميع قراها ومناطقها (ولا أعرف عددها الدقيق للأسف).
الساحل  (10 مواقع): اللاذقية (الصليبة، الطابيات، الرمل الفلسطيني، بالإضافة إلى أربعة مواقع أخرى في مظاهرات الليل التي سيأتي بيانها بعد قليل)، بانياس، المرقب، جبلة.
حوران (26 موقعاً): درعا (خرجت مظاهرة حاشدة قدرت بعدة آلاف في درعا البلد، حي الأربعين، بالإضافة إلى عشرات المظاهرات الصغيرة في الحارات الفرعية). مدن أخرى محاصرة خرجت فيها مظاهرات: نوى، جاسم، إبطع. وخرجت مظاهرات في أنحاء أخرى من حوران عرف منها: داعل، الحراك، خربة غزالة، المسيفرة، السهوة، الغرايا، كحيل، تسيل، صيدا، المتاعية، كفر شمس، بصرى الشام، بصرى الحرير، الصورة، الجيزة، الطيبة، أم المياذن، ناحتة، المليحات، غصم، معربة. وخرجت مظاهرات في مدينة السويداء للأسبوع الثاني.

النشاط الليلي: التكبيرات الليلية عمَّت المدن والمناطق التالية: دوما، درعا، برزة البلد، الزبداني، مضايا، اللاذقية، جبلة، بانياس. وخرجت مظاهرات ليلية في دمشق: (ركن الدين، القابون، نهر عيشة، القدم)، حمص (باب السباع، الوعر، القصور، الخالدية، المريجة)، اللاذقية (الصليبة، السكنتوري، قنينص، بستان الصيداوي، الرمل الجنوبي)، قارة (ريف دمشق)، طيبة الإمام (ريف حماة)، دير الزور.

الشهداء والجرحى: سقط في جمعة حماة الديار أحد عشر شهيداً، وعدد كبير من الجرحى منهم من هو مصاب بجراحات خطيرة (في حمص وقطنا تحديداً)، ومن الجرحى ثلاث نساء في مظاهرة مضايا. الشهداء: حمص (4)، قطنا (3)، الزبداني (1)، عربين (1) (قُتل بالصدم المتعمَّد بسيّارات الشبيحة ثم بإطلاق النار عليه بدم بارد)، معرشورين (1)، غصم (1).

مدن تحت الحصار والاحتلال
نوى ودرعا ما تزالان تحت الحصار الكامل لليوم الرابع والثلاثين، ودوما في حصار ومنع تجول شبه كلي منذ أربعة أسابيع وحرستا منذ أسبوع، وإبطع وداعل وجاسم والضمير تحت الحصار منذ أسبوعين على الأقل. هذه المدن ما تزال بلا صلاة جمعة في جوامعها الكبيرة، لكن كثيراً من رجالها نجحوا في إقامة الجمعة في جماعات صغيرة في الأزقة والحارات الفرعية. ورغم الحصار فقد خرجت فيها كلها مظاهراتٌ صغيرة واشتعلت بيوتها بالتكبير ليلاً ونهاراً. معرة النعمان بقيت تحت الحصار منذ الجمعة الماضية، وبدأ حصار جديد على البوكمال، واقتحام وحصار لطفس وتل شهاب في حوران. ووردت أخبار كثيرة عن اشتباكات عنيفة (قيل إنها مؤكدة) بين قوات من الجيش السوري وقوات من الأمن والمخابرات قرب المسطومة (إدلب).

بعض المقتطفات من أحداث الجمعة:
(1) دمشق، ساحة العباسيين: ورد أن الآلاف من عناصر الحرس الجمهوري المدججين برشاشات آلية احتلوا كل مداخل ساحة العباسيين وأقاموا حواجز لتفتيش المارة، وربما كان ذلك تحسباً من تحركات قرى الغوطة القريبة، حيث تحركت مظاهرتان كبيرتان من سقبا وحمورية باتجاه عربين، أي أن مظاهرات الغوطة الباسلة اقتربت (ولو قليلاً) من المدخل الشرقي لساحة العباسيين. من الواضح أن هذه الساحة صارت هاجساً لقوات الأمن السورية، وأرجو أن تزيدهم صداعاً على صداعهم في قابل الأيام.

(2) دمشق، الميدان: بعد الاستقالة العلنية للشيخ كريم راجح في الجمعة الماضية أرسل له بشار تعهداً شخصياً يطلب فيه منه العودة إلى الخطابة مقابل ألا يقمع الأمن المظاهرات الخارجة من المسجد، فعاد الشيخ كريم راجح وخطب كعادته خطبة جريئة وأكد للمصلين أن الرئيس أكد له أن قوات الأمن لن تهاجم المسجد، فخرج المصلون بعد الصلاة وبدؤوا بالتكبير والهتاف، ولم يكن رجال الأمن في المكان فعلاً، ولكن ما إن تقدم المتظاهرون قليلاً حتى فوجئوا بكمين نصبه لهم نحو ألف عنصر من عناصر الأمن الذين كانوا مختبئين في البنايات والحارات الجانبية، فأطلقوا على المظاهرة الغازات المسيلة للدموع وحاصروا شبابَ طليعة المظاهرة بأعداد كبيرة وانهالوا عليهم ضرباً واعتقلوا منهم الكثير.

(3) اختراق الحصار المفروض على معرة النعمان: تدفق أهالي القرى المحيطة بالمعرة بأعداد كبيرة بلغت عشرات الآلاف، وحاولت القوات الأمنية التي تحاصر المدينة دفع الجموع البشرية القادمة من القرى من جهاتها الشمالية والشرقية والغربية، وفي سبيل منعها من اختراق الحصار أطلق الأمن الرصاصَ الحي والقنابل المسيلة للدموع، لكن الجماهير الحاشدة نجحت في عبور الحواجز الأمنية ودخلت إلى معرة النعمان من خمسة مداخل في حين انسحبت القوات الأمنية من أمامهم، ومن ثم التقت المظاهرات القادمة من القرى بمظاهرات حاشدة داخل المدينة. التقارير الواردة من المدينة تحدثت عن أجواء من الحماسة العارمة وتكبيرات تشق السماء وعن أعداد تجاوزت مئة ألف متظاهر. لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أن مصدر التقرير لا بد أن يتأثر بالجو الحماسي المسيطر على المدينة، ولعله بالغ في تقدير عدد المتظاهرين بسبب هذه الحماسة ولعل العدد الفعلي لن يبلغ مئة ألف والله أعلم، لكنه لا بد أن يبلغ عشرات الآلاف والله أعلم، نظراً إلى كثرة القرى التي شاركت في الحملة وإلى المشاركة الكبيرة من أهالي معرة النعمان أنفسهم، بارك الله فيهم أجمعين.
*   *   *

ملخص للمناطق الساخنة التي شهدت مظاهرات خلال الأسبوع المنصرم:

السبت: خرجت مظاهرات في دمشق وريفها (القدم ودوما وحرستا وسقبا وقطنا وسرغايا)، وفي حمص وحماة وطيبة الإمام وكفرنبودة، وفي ريف إدلب (جرجناز وكفررومة وكفرنبل وحاس)، وفي اللاذقية والبوكمال والقورية (دير الزور)، وفي بعض قرى حوران. وكانت مجزرة مقبرة تل النصر في حمص هي ملحمة اليوم.

الأحد: خرجت مظاهرات في دمشق وريفها (المعضمية والحجر الأسود ودوما وسقبا وحرستا والكسوة وكناكر والضمير)، وفي حمص (الإنشاءات والقصور والخالدية وبابا عمرو ودير بعلبة) وتلبيسة، وفي حماة والرستن (مظاهرات حاشدة)، وفي إدلب والغدفة والقرى المجاورة، وفي اللاذقية ودير الزور. وفي ذلك اليوم اقتحمت القوات الأمنية والجيش خربة غزالة في حوران وحاصرت سقبا في غوطة دمشق.

الإثنين: في دمشق سارت مظاهرة صغيرة في شارع بغداد (قريباً من فرع أمن الدولة 251 وإدارة المخابرات الجوية)، وخرجت مظاهرات في القابون ودوما وحرستا وسقبا (كالعادة)، وفي حي صلاح الدين بحلب، وفي حمص وإدلب وسرمين وأم مويلات (تشييع شهيد من الجيش) ومعرة النعمان وكفرنبل وكفررومة وحاس وبسقلا واللاذقية ومعربة وبصرى الحرير. وحوصرت تلبيسة والرستن ومعرة النعمان بالدبابات.

الثلاثاء: خرجت في دمشق مظاهرة نسائية صغيرة طيارة في سوق مدحت باشا بعد العصر، ومظاهرة في عرنوس ومظاهرة في الميدان. وفي ريف دمشق (الزبداني والكسوة وقطنا)، وفي حلب (شارع النيل)، وفي حمص (البياضة وباب السباع)، وفي الرستن وكفرنبل وكفررومة وحاس والقامشلي ورأس العين ودير الزور.

الأربعاء: في دمشق وريفها (الميدان والزاهرة القديمة وداريا وبرزة البلد ودوما)، وفي حلب (صلاح الدين وسيف الدولة) وفي حمص وحماة والرستن وبنش واللاذقية والحسكة ودير الزور والقورية، وفي حوران: درعا والمسيفرة وبصرى الحرير وناحتة والقرى المجاورة.

الخميس: في دمشق (القابون) ودوما ومضايا وحمص وحماة وقلعة المضيق وكفرنبل وجرجناز والقرى المجاورة، وفي اللاذقية وجبلة ودير الزور والصالحية (في ريف دير الزور)، وفي حوران: المسيفرة والجيزة وبصرى الشام وبصرى الحرير والمليحة الغربية.

وقبل قليل ورد خبرٌ نشرته صفحةُ "طل للأنباء" يفيد بأن أهلنا في تدمر خرجوا في مظاهرات يومية طول الأسبوع الماضي لكنهم لم يستطيعوا توصيل الأخبار في الوقت المناسب بسبب انقطاع الاتصال.
*   *   *

مع نهاية الأسبوع حققت الثورة ثلاثة انتصارات كبيرة:

(1) اهتدت -بفضل الله- إلى سلاح جديد وبدأت باستعماله على الفور بكفاءة عالية، وهو التكبير الليلي. هذا العمل السهل ظهرت نتائجه الكبيرة فوراً وعلى الجانبين: (أ) الروح المعنوية للشعب الثائر ارتفعت ارتفاعاً كبيراً، ولا سيما في المدن المحاصَرة، فالناس الذين حوّلهم الحصار إلى أسرى في بيوتهم وعانوا مما يعانيه سجناء العزل الانفرادي من وحشة وضيق، هؤلاء أحسوا بأنهم عادوا جزءاً من الجماعة حينما اشترك الجميع في التكبير، فسمع أهل الشارع الواحد أو أهل الحي الصغير تكبيرات جيرانهم وأسمعوهم تكبيراتهم، فصار هذا بديلاً عن تواصلهم الاجتماعي (الذي هو حاجة بشرية مُلِحّة)، وهو أيضاً اتصال جماعي بالله ترتفع فيه الأرواح فوق القهر الدنيوي الذي يحاول الآسرون بواسطته كسر إرادة أسراهم ودفعهم إلى الاستسلام. (ب) أما الروح المعنوية للقوات المعتدية فإن تأثرها السلبي بذلك التكبير المدوّي لا يمكن وصفه. أنا أحاول في العادة أن أحذف العبارات الشاعرية والكلمات الحماسية الرنانة من تقارير الأخبار لأفهم الخبر بشكل مجرد بعيداً عن الإيحاء والتأثير، لكني في هذه الحالة تحديداً وافقت على استعمال تعبيرات من مثل "جُنّ جنون الأمن وراحوا يطلقون النار في الهواء" أو "أصيب الأمن بحالة من التوتر الشديد" أو "بحالة هستيرية"، إلخ؛ فهذا كله متوقَّع من جيش معتد يستمد قوته من الأرض لا من السماء، ولطالما نجحت جيوش المسلمين في إنزال الرعب في قلوب أعدائهم بمجرد التكبير. فاستمروا باستعمال هذا السلاح العظيم منذ اللحظة يا أبطال سوريا، واجعلوها عادة من عادات الحياة الرتيبة: التكبير المتصل ساعة أو بعض ساعة في منتصف كل ليلة. وأنا على يقين من أنكم لن تتركوا التكبير منذ اليوم، فلقد تنسَّمَت أكثرُ المدن والقرى المحاصرة نسائمَ الحرية لمّا صدحت بذلك النشيد السماوي العلوي، فأنّى تتخلى عن ذلك المكسب العظيم؟

(2) الانتصار الكبير الثاني للثورة جاء هدية مجانية من النظام، فقد ارتكب واحدة من حماقاته الكبرى فأطلق رصاصة الرحمة على علاقته المترنّحة بقطر وأمير قطر وقناة الجزيرة.

لقد ظهرت في الماضي عدة صفحات فسبوكية تدعو إلى ثورة شعبية في قطر، وبعضها ما يزال مفتوحاً منذ أشهر، لكن أعضاءها لم يتجاوزوا بضع مئات في الصفحات الهزيلة إلى نحو ألفين لأكبر الصفحات (ثورة 16 مارس)، وفجأة وُلدت صفحة جديدة وتجاوز عدد أعضائها أربعين ألفاً في ثلاثة أيام، وإذا بها صفحةٌ سوريّةُ الإنشاء وسوريةُ الإدارة، وإذا بالذين يشرفون عليها وينضمّون إليها ويكتبون فيها هم عناصر المخابرات السورية! لم يكن عسيراً اكتشاف هذه الحقيقة على المتابع العادي من أمثالنا، فما بالكم بالأجهزة الأمنية الاستخباراتية القطرية، هل ستغيب عنها هذه الحقيقة؟ لا بد أن الأمور كلها قد انكشفت للسلطات القطرية منذ الساعات الأولى، وسوف ينعكس هذا الأمر بإذن الله في تَخَلّ رسمي قطري عن النظام السوري، وفي انحياز أفضل من "الجزيرة" لثورة شعب سوريا المُصابر. فأبقوا أعينكم مفتوحة على القناة خلال الأيام القادمة لتروا الفرق بين التغطية القديمة والتغطية الجديدة إن شاء الله.

لا أستطيع أن أتصور إخفاقاً سياسياً وإعلامياً أسوأ من الحركة الغبية التي قام بها النظام السوري عندما روّج لثورة شعبية في قطر، بدءاً بالصفحة الفسبوكية التي أنشأها لهذا الغرض، ثم بحشد طاقته الإعلامية البائسة لتغطية ما اعتبره حادثة القرن الكبرى. ولم يخطر ببال النظام الغبي أن أبطال الثورة السورية له بالمرصاد، فقد تعقبوا الأفلام التي بثتها فضائياته فوجدوا أن مظاهرات البحرين التي تناقلتها المواقع الإلكترونية قبل شهرين صارت فجأة -في الفضائية السورية- مظاهرات قطرية في الجمعة الأخيرة، وما كان مظاهرة قطرية في الدوحة للتضامن مع الثورة المصرية في الأول من شباط صار -على شاشة تلفزيون الدنيا- تضامناً من المصريين مع إخوانهم القطريين في ثورتهم! وأمثال ذلك من "الفبركات" الساذجة التي لا تنطلي على الأطفال!

(تساءلت باستغراب: إذا أرادت الفضائيات السورية "فبركة" أخبار جيدة فلماذا لا تستفيد من خبرة الخبراء من مجرمي العصابات المندسة الذين قبضت عليهم وعرضتهم على شاشاتها؟ هي قالت لنا إن أولئك المندسّين فبركوا كل ما شاهدناه من لقطات للشهداء والمعذَّبين والمظاهرات والاعتصامات، فإذن لا بد أنهم محترفون في الفبركة إلى أقصى الحدود لأنهم نجحوا في خداع الفضائيات الكبرى ووكالات الأنباء العالمية، فلماذا لم تستفيدوا من خبراتهم -يا عباقرة قناة الدنيا- بدلاً من أن تُضحكوا عليكم الناس بإخفاقاتكم وفبركاتكم السخيفة؟)

(3) الانتصار الكبير الثالث هدية أخرى من النظام، ولكنها ليست مجانية أبداً، بل هي غالية جداً, ولكنها كبيرة جداً. الجريمة الفظيعة التي ارتكبتها أجهزة الأمن السوري الساديّة بحق طفل بريء تحولت بسرعة إلى نار ستحرقها وتحرق النظام، فقد تلقفتها وسائل الإعلام العالمية ونشرتها في أرجاء الدنيا فهزت ضمير العالم، وتحولت إلى فضيحة دولية بحق النظام المجرم سوف تلوي أعناق الكثيرين، بدءاً بالساسة ومروراً بالمنظمات والهيئات وانتهاء بالدول والحكومات.

كما أن الثورة نفسها كسبت اليوم رمزاً مُلهِماً جديداً. لا شك أن الثورة تستمد الإلهام من كل شهيد يسقط وكل حر يُعتقَل، لكن بعض الرموز أكثر تأثيراً من غيرها. على سبيل المثال: الأسيرة طل الملوحي تحولت إلى رمز مُلهم في وقت مبكر وكان لها دور واضح في تحريك السطح الراكد وتهيئة الجو للانتفاضة، والشهيد معتز الشعار ساهم بشكل واضح في إلهام وتحريك شباب دمشق، وشهيدات المرقب الأربع حرّكنَ مشاعر ملايين الناس أكثرَ مما حركها مئات الشهداء من الرجال، والبطل أحمد البياسي صار رمزاً ملهماً للشعب كله، وكثيرون آخرون أثروا فينا وما يزالون، كالأسير البطل أنس الشغري والشهيد (المتخلف عقلياً) مرشد راكان الأبازيد الذي استشهد تحت التعذيب وسرقت أعضاؤه، ومثلهم كثير.

كل هؤلاء (وغيرهم من الشهداء والمعتقَلين) من رموز الثورة الكبيرة، لكن أياً منهم لم يبلغ ما بلغه الشهيد الصغير حمزة الخطيب رحمه الله، فقد تحول بسرعة البرق إلى "أيقونة" شعبية عارمة. يمكنكم بسهولة الوصول إلى هذا الاستنتاج من مجرد مقارنة أعداد معجبي الصفحات، فأعضاء صفحة "كلنا طل" ما زالوا أقل من اثني عشر ألفاً بعد افتتاحها بأشهر، وصفحة أحمد البياسي جمعت أربعة آلاف معجب في ثمانية أيام، حتى بطل جبلة الأسير الذي يذهل صمودُه شجعانَ الرجال ويصغّرهم في عيون أنفسهم، طارق بدرة، لم يصل عدد معجبي صفحته إلى سبعمئة (للأسف) بعد أسبوع من نشرها... أما الشهيد الصغير حمزة الخطيب فقد تجاوز عدد معجبي صفحته عشرين ألفاً في أربع وعشرين ساعة. لقد صار مثل البوعزيزي في تونس، بل ربما يصبح في تاريخ ثورة التحرير السورية مثل جان دارك في التاريخ الفرنسي، وسوف تستفيد منه الثورة الكثيرَ بإذن الله، رحمه الله وصبّر على فراقه والديه وعوّضهم خيراً.

القدس العربي : عذرا أدونيس - ماهر البرادعي

القدس العربي : عذرا أدونيس - ماهر البرادعي
عقد ربطة حذائه الرياضي، رغم شكه بتناسبه مع ما يرتديه. امتشق هامته الطويلة، وصوّب نظره إلى طاولة المكتب، حيث صورة للسيد حسن نصر الله، وأمامها بعض قصاصات ورقية.. قلّ...بها، وأعاد قراءة بعضها، وكأنه يتأكد من حفظها، ثم انسل عبر الصالة خلسة، وأغلق باب المنزل بهدوء شديد، وهبط على الدرج بسرعة، ك...أنه يجرب قدرته على الركض.
وصل إلى مدخل البناء، نظر ذات اليمين وذات الشمال. كان الهدوء المُطعَّم برائحة الياسمين يلفان الشارع، وتتحرك فيه الأشياء، وكأنها غير معنية ببركان يغلي من تحتها.
تجاوز كنيسة ' سيدة دمشق'، ودخل ساحة ' العباسيين'، وهو يدرك وجهته جيداً. حاول أن يوقف سيارة أجرة، إلا أن محاولاته كلها باءت بالفشل. غيّر وجهته، لعل المكان الذي يقف فيه لا يروق للسائقين. عند ' كازية العباسيين'، وقف رجل في الخمسين من عمره إلى جانب سيارة أجرة، ينتظر دوره، بادره بابتسامة، وسأله:
- فاضي.. بدي روح ع دوما..
نظره إليه الرجل متفحصاً، وسكت لزمن، ثم هزّ رأسه وأومأ له أن يصعد.
تحركت السيارة واتجهت نحو ' زملكا'.. توقفت بعض مرات أمام حواجز لرجال أمن مدججين بالسلاح، وكأنها منطقة عسكرية. كانت الأسئلة متشابهة، وحتى طريقة السؤال، بدءاً من بطاقة الهوية، وصولاً إلى الجهة المقصودة.. عند أحد الحواجز، سأل رجل الأمن السائق:
- ع وين رايحين يا معلم؟..
- ع وكالة ' كيا'.. بحرستا..
- وشو رايحين تعملوا هنيك؟..
- الشب رايح ع الوكالة..
- شو رايح تعمل بالوكالة يا حبيب؟..
نظر شادي إلى رجل الأمن، وهو يمسك ببطاقة، فخرجت الكلمات من بين شفتيه مرتجفة:
- رح طلع سيارة الوالد من الصيانة..
أعاد رجل الأمن البطاقة لشادي، وأشار للسائق أن يعبر. وبدا وجه السائق ذي السنوات الخمسين محمراً، والكلام في وجهه يكاد أن يخرج دون عناء، إلا أنه كان يضبط نفسه بصعوبة، وكلما عبر حاجزاً، تمتم ببعض العبارات، وختمها بعبارة ' اللهم اقلبها فرجا من غمة'.. ' اللهم اجعل كيدهم في نحورهم'.. وعبارات لا يفهم المرء منها من المقصود بهذا الدعاء!..
دخلت سيارة الأجرة مدينة ' دوما'، وأخذ السائق يقود سيارته عبر شوارع جانبية، إلى أن وصل إلى حي ' السرايا'، وبدأ يرى بعض الوجوه التي يعرف معظمها، لكنه يجهل أسماءها. هنا، منذ بضعة أسابيع، قابلهم فيها للمرة الأولى، بعد بحث مضن عن مكان، يُطلق فيه ما بحنجرته من صراخ مخنوق.
كان قد جال شوارع دمشق كلها، ولم يجد أحداً يرافق صراخه. أوقف يومها سيارة أجرة، وطلب من السائق المسير إلى اللامكان. بدا طلبه غريباً، إلا أنه استطاع إقناع الرجل بأنه يبحث عن أصدقاء خطفوا سيارته، على سبيل المزاح، وعليه أن يجدهم!..
تجوّل في شوارع ' عربين'، و' حرستا'، دون أن يجد ما يبحث عنه. وعند مداخل مدينة ' دوما' لمح مجموعة من الأشخاص تسرع الخطى، فظن أنهم من يبحث عنه. أمر السائق أن يتوقف. رمى له بعض النقود، فاحتج السائق، فزاده عما طلب، وغادره مسرعاً نحو الرجال، حتى أصبح يحذوهم بخطواته، ولم يدرك نفسه إلا وهو أمام الجامع الكبير بدوما. وقبل أن يتردد، دخله وهو الذي لم يدخل جامعاً بحياته، بل لم يفكر يوما أنه سيدخله.
توقف قليلاً وهو يشاهد الداخلين إلى الجامع يخلعون أحذيتهم، ففعل ما فعلوا، وهو في قرارة نفسه يقول: ' الذي لا يخاف الموت، ماذا يخيفه بدخول الجامع؟'.. وما كادت خطواته الأولى في الجامع تتجاوز عدد الأصابع، حتى أعلن المؤذن قيام الصلاة.
ارتبك، ونظر يميناً وشمالاً، فوجد الجميع يقف، ويرص صفوفه بعضها إلى بعض. دفعته الجموع، وأخذ يتقدم صفاً فآخر، حتى استقر بين رجل في الأربعين، تكاد لحيته تصل بطنه، وشاب رياضي ممتلئ، يرتدي ملابس رياضية.
كان على يقين بأن أحداً هنا سيخرج منهم رافعاً صوته بحرفي اللام والألف، بعد أربعين عاماً من تعلم الصمت.
بدأت الصلاة، وأخذ يفعل مثلما يفعلون. ينحنون فينحني معهم. يسجدون فيسجد. يقولون ' آمين'، فيردد معهم ' آمين'.. كان المشهد أشبه بطقوس الحرية، والمكان لم يكن مسجداً للصلاة فقط، بل جامع يجمع شعباً ضاقت به سبل التعبير، فابتكر مكانه الخاص للرفض.
كان كلما سجد حرك عينيه ذات اليمين، أو ذات الشمال، باحثاً بين جاريه عن قائد لصوته. تأمل خيراً بالشاب الرياضي، وأمل أن يطلق المبادرة الأولى.
انتهت الصلاة، فعَلَتِ الأصوات. كانت عميقة عمق الجامع، ومتفرقة على امتداد الجموع. دفعته الحشود خارجاً، وهو يلاحق الأصوات هنا وهنا، علّه يعرف مصدرها، فيجاريها.. ارتفع من خلفه صوت، التفت إليه فإذ به جاره الملتحي، وإلى جانبه الشاب ذو الملابس الرياضية، يرد على الهتاف بكل ما أوتي من قوة، حتى تكاد عروقه تبرز خارجاً:
' الشعب السوري ما بينذل'
دفع شادي من حوله، وهو يتحرك باتجاههم ويردد: ' الشعب السوري ما بينذل'. علت الأصوات، وتحركت الجموع، وبدأت تتكاثر شيئاً فشيئاً، وهو يحاذي الملتحي، والشاب ذا الملابس الرياضية، وهما يتناوبان على قيادة الحشد، والهتاف، حتى أتت لحظة أحس بها بأنهما تعبا، أو خفتت همتهما.
صرخ بأعلى صوته: ' سنة وشيعة وعلوية.. كلنا بدنا الحرية'. ردَّ عليه الحشد بأكثر مما كان يتخيل، فأعادها مرة أخرى. وقبل أن ينتهي، أحسَّ بيدين تحملانه، ويرتفع في الهواء، ليتربع على كتف أحدهم. نظر إلى الأسفل، فوجد الرجل الملتحي يقبض على قدميه، ويثبته فوق ظهره، ليشعر بأمان، وهو على كتفيه.
خرج الجمع بعيداً، وتلاقى العشرات بالمئات، حتى أصبحت الجموع أكثر من أن يعدهم، وكان ثلاثتهم يتناوبون على الهتاف، وقيادة الحشد، وهم لا يعلمون أسماء بعضهم البعض.
انتهت المظاهرة بقدوم رجال الأمن، وإطلاق بعض الطلقات النارية، في الهواء، ثم القليل من الغاز المسيل للدموع، وملاحقة المتظاهرين بالهراوات، وقد أصابته هرواة طائشة في كتفه الأيسر، وبقيت تؤلمه أياماً عديدة.
شادي، ابن الثلاثة وثلاثين عاماً، والذي ينحدر من عائلة ميسورة الحال، يقف اليوم مرة أخرى وسط مدينة دوما، في ريف دمشق. أمام المكان نفسه، ليمشي على قدميه، ويلتف على الحواجز الأمنية، عبر الأبنية، ويقفز فوق سور صغير، ليدخل إلى المكان الذي تعلم أن يفرغ فيه ما في جوفه من صراخ، وهو يعلم تمام العلم بأن أحداً ما يطلق النار على الصارخين بما في حناجرهم، بغرض قتلهم.. أي أن حرف اللام الذي تعرف أخيراً، على حرف الألف، منذ زمن بعيد، يخرجان ليشكلا كلمة واحدة، تجمع فيها قيمة الحياة على صغرها.
عبَرَ الشوارع، وهو يلحظ بعض رجال الأمن، ينتشرون هنا وهناك، على زوايا الشوارع. وصل إلى دوار ' البلدية'، ومنه إلى منطقة ' السرايا'. خطا بضع خطوات، فوجد بعضاً من الذين يعرفهم، بادرهم بالقول:
- انتبهوا.. المنطقة ملغومة.
هزَّ أولهم رأسه، دلالة معرفته، ورد:
- رح نطلع، لو آخر يوم بعمرنا..
بدأت الأعداد تزداد، حتى وصلت إلى بضع عشرات. كان بعضهم قد صنع يافطته الخاصة، من قصاصات ورقية، أو بقايا علب كرتونية، لمعرفتهم بأن تجار القماش مُنعوا من بيع أي قطعة قماشية، وخاصة البيضاء منها، دون أخذ بيانات المشتري.
تحرك المحتجون نحو المحكمة، أو ما كانوا ينادونه ' السرايا'، وأصواتهم تعلو شيئاً فشيئاً: ' سلمية سلمية.. كلنا بدنا الحرية'. كان شادي يسير مع الحشود، وكأنه يعرفهم، ويعرفونه. لم يكن بحاجة إلى وسيلة تعارف، فقد كانوا يلمسون من نبض صوته صادق مشاعره، وأن هتافه لا يخرج من شفتيه، بل من قلبه. إنه مثلهم جميعاً. شباب وقف أمام واقع مغلق، ومستقبل مجهول، فخرجوا ليقولوا: كفى.. لا نريد المزيد من هذه الحياة.
كان الحشد قد وصل إلى ' قهوة السرايا'، حين بدأ إطلاق نار ودخان كثيف، فرّق الجموع، حيث حاولوا الاحتماء من اطلاق النار، الذي لم يعرف أحد في البداية مصدره. أصبح شادي عند بوابة ' قهوة السرايا'، عندما أحس بشيء يكوي صدره، والهتاف يخرج من جوفه بعناء شديد. سحب أنفاسه، وأعاد الكرة كي يرتاح قليلاً، وتحرك نحو زقاق قريب، كي يتقي إطلاق النار، وما إن عبر خطوة داخل الزقاق، حتى خرج عليه اثنان؛ الملتحي وآخر، وهم يصرخان به، ولا يسمعهما.
اعتقد أنهم رجال أمن، لكن سرعان ما تكاثر الجمع حوله، من كبار وصغار، والكل ينظر إليه، ويسأله دون أن يدرك عما يتحدثون. وضع يديه عند صدره، حيث تألم منذ قليل، فشعر أن يديه مبللتان. نظر إليها فرأى يده البيضاء قد غطاها سائل أحمر قان.
عرف وقتها أنه قد أصيب، فعجزت قدماه عن حمله، وبدأ يتهاوى. وقبل أن يسقط، أمسكه الملتحي، وجلس على الأرض، واضعاً رأسه بين ذراعيه. التف الجميع حوله، وهم يشعرون أنه يغادرهم، فأخذوا يصرخون فيه: ' تشاهد.. تشاهد.. قل أشهد أن لا إله إلا الله'..
 
صرخ الملتحي بالشبان أن يحضروا سيارة، وأدار رأس شادي نحوه، وقال له:
- تشاهد.. يمكن تموت، وما نقدر نسعفك.. تشاهد..
كان شادي يحرك عينيه، بين هذا وذاك، وهو يشعر بضعف شديد، وثقل في رأسه، يدركه للمرة الأولى.. نظر إلى الملتحي، واستجمع بعض قواه، وقال له:
- إذا متّ.. خبروا أمي أني متّ حرّ..
غصت عينا الملتحي بدمعة، تكابر على الخروج، وتحركت شفتاه لتمنعها من الظهور.
- ولك إنت حر ابن حر.. ابن مين أنت؟.. وين أهلك؟..
صمت لبرهة، وهو يراقب شادي يجاهد ليبقي عينيه مفتوحتين، وأصوات من حوله تصرخ باستعجال سيارة لنقله، وإسعافه.
دنا الملتحي بفمه من أذن شادي.. وأخذ يرجوه:
- تشاهد.. الله يخليك.. تشاهد..
أعاد الكرة مرة، وثانية، وثالثة.. نظر شادي إليه، وهو يبدو بلحيته الطويلة، ووجهه المدور، كأنه خرج من أحد المسلسلات التاريخية، وتمالك نفسه، ورفع رأسه ليواجه الملتحي، وقال:
- أنا مسيحي.. مسيحي..
جحظت عينا الملتحي، وتصلب في مكانه، ثم أخذ يصيح:
- يرحم البطن يلي حملت بأمثالك.. عاش المسيح.. ولك نحنا أخوة كلنا.. الشعب السوري واحد.. والله واحد.. الله أكبر.
ولم يتمالك الملتحي نفسه، وخرجت دموعه دون استئذان، وهو يضم شادي بيديه العاريتين، والحشد حولهما يكبرون ويرددون: ' واحد.. الشعب السوري واحد'.
قصَّ شادي قصته لي، وكيف حمله الملتحي إلى بيته، ليخبئه، ويعالجه.. استأذنته أن أنشر القصة مع إغفال الأسماء ورغم تردده في البداية لكنه وافق أخيرا وكان كل ما يجول بخاطري وأنا أكتب هذه السطور، قلق أدونيس من مشهد الحرب الأهلية في سورية، وهو ما لا يتآلف مع هذا المشهد .. ربما صدم بروعة المفاجأة، إلا أن الحقيقة الأكيدة أنه يتوجب عليه أن يعيد قراءة المشهد السوري، من جديد، بعد أن ينزل من برجه العاجي إلى الأرض، حيث يتلقى شباب بعمر الورد، وبصدورهم العارية، رصاص أخوتهم، وهم يقبضون في قلوبهم الكبيرة نبضاً لفهم أعمق مما نعتقد

المظاهرات الداعمة للثورة السورية

أبدأ بأهم صفحة وهي الصفحة المعنية بتغطية المظاهرات الداعمة للثورة السورية في أنحاء العالم وهي صفحة معكم...جهد مهم جداً من قبل بعض الشباب المميز
 
With You | معكم
 
 
 مقاطع مترجمة Syrian revolution videos with English subtitles
 
 
شبكة شام الإخبارية | أدبيات الثورة
 
 

مرأة سورية تروي ما تعرض له زوجها خلال 15 يوماً من الاعتقال.. وتقول إنه شاهد أحمد بياسي في فرع كفرسوسة

مرأة سورية تروي ما تعرض له زوجها خلال 15 يوماً من الاعتقال.. وتقول إنه شاهد أحمد بياسي في فرع كفرسوسة

موقع أخبار الشرق - الأحد، 29 أيار/مايو 2011 12:17  بتوقيت دمشق
سورية اليوم - أهم الأخبار
 
في شهادة جديدة توثق ما يتعرض المعتقلون في فروع المخابرات السورية من تعذيب وإهانة، روت سيدة سورية تفاصيل اعتقال زوجها بسبب قيامه بتصوير مظاهرة نسائية صامتة في ساحة عرنوس في دمشق وحملت لافتات كتب عليها عبارات مثل لا للعنف... الحريه لسورية... ورفعن العلم السوري.
وخلال دقائق من التظاهرة، تقول السيدة، "هجم علينا مجموعه من الأمن وباشروا بتعنيف المتظاهرات والاعتداء على بعضهن بالضرب والشتم، ثم بدأوا بالاعتقال وكان أولهم زوجي الذي طلبوا منه أولا أن يعطيهم الموبايل. ولما رفض وطلب منهم أن يعرف من هم وبأي حق قاموا بالاعتداء علينا بهذا الشكل؛ ما كان منهم الا أن سحبوه من قميصه وعندما سألهم الى أين أجابوه (لعند يللي خلقك) ثم وضعوه في الباص مع من اعتقلوا معه ايضا من نفس المكان من الشباب والبنات وبدأوا بالشتم وبأقذع الألفاظ وخصوصا للبنات والسيدات، وربطوا أعينهم بعصابات سوداء وأخذوهم الى أحد أفرع الأمن وما أكثرها ثم بدأالتحقيق الذي يأخذ شكل تهم جاهزه لمن يقبل من شدة التعذيب أن يعترف بها!!!! حيث يبصم المعتقل على صفحتين خاليتين قبل البدء بالتحقيق".
وحسب شهادة السيدة السورية، فإن "التحقيق يكون والمعتقل عارياً والعينان معصوبتين، في حين يمارس "ابو الموت" و"أبو شملة" و"أبو الجماجم" متعتهم بالضرب والاهانه اثناء التحقيق. وبعد أن تفشل كل محاولات المحقق في تلبيس التهم يتصاعد مستوى التعذيب والذي يشمل الضرب والفلقه بالعصي والكابلات والضرب بالكهرباء الى أن يهددوا بنتف شعر الجسم وهكذا حتى يمل المحقق من تلفيق أي تهمة".
ويستمر الضرب والاهانة مع كل تحركات المعتقل، أي أثناء ذهابه الى التحقيق وفي رجوعه أو أثناء ذهابه الى الحمام وحتى وهو بالحمام، كما تقول السيدة في روايتها.
وبعد ثلاثة أيام من الاعتقال، نُقل الرحل (زوج السيدة التي قدمت الشهادة) الى فرع أمن جديد. وفي الباص أجلسوهم وهم مربوطو الايدي ومعصوبو الأعين وبدأ عناصر الأمن بضربهم بالعصي والكابلات على الظهر والأكتاف والعناصر يغنون أثناء ذلك أغاني للرئيس السور بشار الأسد بأعلى صوتهم. واستمر الحال حتى وصلوا الى مقرهم الجديد. وكان في استقبالهم مجموعات جديده من العناصر الذين يستمتعون بهذه الأجواء، ووضعوهم في ساحة الفرع وتحلق أولئك العناصر حولهم وبدأوا بضربهم و"وين ما اجت تيجي"... وبعد قرابة الساعه من الضرب والضابط يجلس على كرسيه الوثير في الساحه يراقب وهو يشرب المتة ويدخن، أخذوهم الى القبو ووضعوهم في غرفة "تفتقر الى أدنى متطلبات العيش للحيوانات"، وبدأوا بضربهم فلقة على أرجلهم وهم على بطونهم والأرجل والأيدي مربوطة، ونصيب كل مواطن معتقل عشر ضربات ومن يصرخ أو يستغيث يعاد له العد من البداية "فما كان من زوجي الا ان عض على كم قميصه عسى ذلك أن يفيده في تحمل الألم!!! وهكذا كان".
وتضيف السيدة: "الأشخاص المكلفون بالتعذيب لا ينتمون الى أي كائن في هذه الحياه.... بقي زوجي بين أيديهم 15 يوماً ونحن لا نعرف عنه أي شيء... ثم أحالوه الى المحكمه والقاضي كتب له في افادته أنه بريء ولم يقم بأي شيء مخالف للقانون وأن اعترافاته الخطيره والتي تقول أنه حرض على التظاهر أخذت منه تحت التعذيب. وقال له القاضي روح انت حر". وهنا تساءلت السيدة عن حقوق زوجها، وقالت: "بس ما عرفنا شو مشان الـ15 يوم يللي عذبوا فيهن شو مشان آثار الضرب يللي واضحه على جسمه!!! شو مشان محبسه وموبايله يللي سرقوهن الأمن!!!! ما بعرف... ولكن المهم من كل ما كان وصار أن الشباب همتهم لحدود السما ولن يستطيعوا مهما فعلوا بهم أن يعيدوهم الى الوراء ولا حتى خطوة".
مشاهد من فرع أمن الدولة في كفر سوسة!!
وتضيف السيدة: "أثناء وجود زوجي في هذا الفرع شاهد الشاب الذي رأيناه في فيديو البيضه وهو يظهر هويته ويعرف عن نفسه ويثبت من خلال تصوير المكان بأن الفيديو المعروض هو فعلا من البيضه وأن الجنود والشبيحه هم سوريون وليس كما ادعى الاعلام السوري الكاذب انهم بشمركه!!!! شاهده زوجي... من خلال عصابة عينيه التي ارتفعت بالصدفه قليلا وأتاحت له أن يرى هذا البطل والضابط يرفسه بحذائه على وجهه ثم يقول له أنه سينظف حذاءه بوجهه وبعد ذلك يقول له إنه لم ينظف بعد ويأمره بأن ينظفه بلسانه ويبدأ الشاب بلحس الحذاء!!!! كل ما يعانيه هذا الشاب لأنه أراد أن يظهر للعالم حقيقة أرادوا تكذيبها... كل ما يعانيه هذا الشاب لأنه شريف ولم يرض الظلم... كل ما يعانيه هذا الشاب في رقابنا ان بقينا صامتين ولم نصرخ في وجه الظلم والظالم... لن أنسى ما قدمتوه يا أحبائي كي أعيش وأولادي بحريه حرمتم أنفسكم منها لأجلنا جميعا".
ويعزز كلام هذه السيدة وشهادتها الرواية بأن البياسي توفي تحت التعذيب الامر الذي اضطر الامن السوري ان "يحمموه" ويخرجوه من السجن ليعلن تحت الضغط للجميع انه لم يكن معتقلا.
خلف علي الخلف الكاتب والناشط السوري قال في تصريح خاص "النظام اعترف بشكل رسمي ان الفيديو في البيض بعد ان تم فضح الموضوع عبر فيديوهات مصورة، وظهور احمد البياسي في احد الفيديوهات التي اكدت ان فيديو التعذيب في هذه القرية (البيضة)".
وقال إن "ظهور احمد البياسي على الاعلام الرسمي يعني ان الاعلام نسي كذبته بأن هذا الفيلم مصور في العراق وأن منفذي التعذيب هم بشمركة مما يشكل اعترافا رسمياً بأن هذا الفيديو حقيقي في البيضة".
وأضاف: "ان ظهوره على الاعلام لا يعني الا انه حي فقط وهذا ما كان من الممكن ان يحدث لولا الحملة التي انتشرت على الفيس بوك وتداولت رواية مقتله تحت التعذيب، ولكن هذا لايعني بأي حال من الاحوال انه ليس معتقلاً".
ورأى: "ان اعلام النظام هو اعلام اكاذيب فحتى لو كان البياسي حرا طليقا لا يمكن ان نصدق انه كذلك لأن هذا الاعلام قال ذلك".

مقاطع مميزة وهامة‏ syria

جديد الفيلم السوري المــستأسد 2011   (جهد رائع جداً)
 
 
شام - دوما - الحصار الأمني على دوما العدية صباح 30-5   (ما شاء الله على شجاعة هالشباب)
 
 
القبض على عميل المخابرات وحزب الله جبل الزاوية 27-5 
 
 
شام - برومو - اهداء الى روح الشهيد حمزة الخطيب 
 
 
27 5 Homs أوغاريت عااااجل أكتشاف أسلحة في مدينة حمص ههههه لله دركم ما اطرفكم 
 
 
 ادلب بنش 7 27/5/2011 جمعة حماة الديار (اسمعوا هالقسم ما أحلاه)

بيان التضامن الخليجي معَ الشعب السوري

بيان التضامن الخليجي معَ الشعب السوري

لقد روِّعَ الخليج العربي وشعبه كما هوَ الوطن العربي والعالم الحرّ من الإرهاب الوحشي الذي ينفِّذه النظام الحاكم في دمشق ضدَّ أشقائنا أبناء الشعب العربيّ السوري ولقد عجزَ القلم والفكر أن يُدوِّن ما يُعبِّر عن هذه المجازر الوحشية ضدَّ شعبٍ أعزل خرجَ بصدره العاري شيباً وشباناً نساءً ورجالاً وأطفالاً ليتحقق لهُ مطلبه الشعبيّ العـادل وهيَ حرِّيته واختيار حكمه عبرَ تصويته وخياره المدنيّ المستقلّ.
ولقد ذُهلـنا من حجمِ الصمت والتآمر الضمني على مشروع الحرية المستحقّ لأبناء الشعب السوري والذي تورطت فيه أنظمةُ حكـمٍ عربيَّة واقليمية وأجنبية وإننا كمثقفين ومثقفات في إقليم الخليج العربي لنشعرُ بالمسؤولية المضاعفة تجاه أبناء شعبنا العربيّ السوري ودعم خياره الديمقراطي الحر والتضامن معه ضد هذا النظام الإرهابي فلقد كانت سوريَّـة ولا تزال قلب المشرق العربي وتاريخه وحراكه الديموغرافي وهويته العربية.
وإننـا إذ نُذكِّر بمسؤولية كل القوى العربية والإسلامية والدولية بواجباتها لنجدة الشعب السوري لنبدأ بحكومات مجلس التعاون الخليجي معربين عن انزعاجنا وإدانتنا للمواقف التي صدرتْ من البعض والتي أعلنت مساندتَها وتضامنها معَ النظام ودعمه مالياً في الوقت الذي يغرقُ فيه الشعب السوري في قمعه الدموي , ونطالبهم بتصحيح هذا الموقف والمبادرة الذاتية لدعم أبناء الشعب السوري من خلال الإسناد الإنساني الإغاثي والإعلامي والسياسي وطرد سفراء النظام من عواصم المجلس والسماح للمعارضة السوريَّة ودعمها بالتحرك على الأرض الخليجية والتواصل لعقد المؤتمرات اللازمة لإيقاف جرائم الحرب التي يرتكبها النظام .
وإذ نحيي المواقف النبيلة التي صدرَت من المجتمع المدني في الخليج كموقف أعضاء مجلس الأمة الكويتي والنائب علي الدقباسي رئيس البرلمان العربي والموقف الشعبي والثقافي الخليجي المساند للشعب السوري لـننـاشد الجميع في كلِّ قطاعات المجتمع المدني من علماء ومثقفين وسياسيين وإعلاميين في إقليم الخليج العربي للتقدُّم الملموس لدعم قضية الشعب في سوريا ونعيد التذكير للجميع في الخليج العربي بأن مصالح هذا الإقليم بعروبته وعمقه هوَ معَ الشعب العربي السوري لا معَ هذا النظام القمعي الذي سيزول ويبقى الشعب شامخاً على مدى العصور.
ونناشد كحراك مدني دول الجوار العربية الشقيقتان الأردن ولبنان بالقيام بواجباتهم تجاه ما يتعرَّض له الشعب السوري إنسانياً وسياسياً وفسح المجال في مناطق الحدود للتواصل الإنساني والإغاثي وتأمين اللاجئيـن وضمان سلامتهم وأمنهم وهذا ما نعتقدُ أنه واجبٌ إنسانيّ وعربيّ نتعشَّمُ في إخواننا في البلدين الشقيقيين العمل على تحقيقه في القطاعين الرسمي والأهلي.
ولقد استمعَ أبناء الشعب السوري والعربي مطالبات دولة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للنظام في دمشق بالإصلاحات وشهدَ العالم  رفض هذا النظام اي إصلاح بل وعزز قمعه لهذا الشعب الأعزل ولذا فنحنُ نناشد دولة رئيس الوزراء التركي والقوى الحيَّه في الشعب التركي الشقيق أن يتحرَّكوا عبرَ الحدود والمساعي السياسية والإعلامية للضغط على هذا النظام لوقف مجازره وتعزيز العون الإغاثي للشعب العربي السوري.
لقد أعلنت الحركة الوطنية السورية في قيادة الثورة الميدانية والمهجَر تضامنها الوطنيّ وقوة إرادتها ورفضها لأي تدخل أجنبي في بلادها لكن ذلك لا يُلغي واجبات المجتمع الدولي تجاه أبناء شعبنا السوري في الضغط السياسي والإعلامي على النظام لوقف مذابحه وإسناد الشعب الأعزل إنسانيا وإذ نحيي حراك المجتمع المدني الغربي الذي تضامنَ معَ شعبنا في سوريا الشقيقة لنأمل أن تتعزز هذه الجهود لإنقاذ هذا الشعب المظلوم المعزول.
يا أبناء شعبنا العربي السوري المجيد لقد سجلتم أروع نماذج النضال والكفاح الوطني والفدائية الإنسانية في مواجهة هذا القمع الوحشيّ وأثبتم بوحدتكم الوطنية عرباً وأكراداً وتركماناً مسلمين ومسيحيين أن هذا المشروع مشروع الوطن وحريته المدنية وديمقراطيته الحقيقية وأخجلتم وطنكم العربيّ وهذا العالم ومواكب الشهداء تتدفقُ من كلِّ بلدات ومدن القطر السوري حتى باتَ العالم يعرفُ بلداتكم ونواحيكم بأسماء شهدائكم.
إن هذه الوحدة الوطنية بينَ العلماء والمثقفين والعشائر والنقابيين والطلاب نساء ورجالا وكل شرائح أبناء شعبنا لترفعُ لكم الدليل الأكبر على نصاعة ونزاهة هذا المشروع التحرري الذي فضحَ ويفضح إعلام النظام كما فضحَ مجازره وإننا في إقليم الخليج العربي بكل تياراتنا الفكرية وتوجهاتنا الوطنية والقومية والإسلامية والإنسانية لنتشرَّف بأن يكونَ حراكنا متضامناً متحداً معَ هذا الشعب العربيّ العظيم راجينَ أن يكلل الله مساعي الحراك العربي والإسلامي والدولي للقيام ببعض الواجب والتكفير عن التقصير العظيم لأجلِ حرِّيتـكم وليحفظَ الله سوريا أرضاً وشعباً .. المجـدُ للشهداء ولأحرار الفـداء .

الزمن جنديٌّ من جنود الثورة

الزمن جنديٌّ من جنود الثورة
(1 من 2)
مجاهد مأمون ديرانية

نحن والنظام مع الزمن لسنا سواء، فنحن نملك مشروعاً له صلاحية مفتوحة لا يحدّها تاريخ، تماماً كالماء والهواء، وهو يملك مشروعاً محدود الصلاحية، مثل اللحوم المبرَّدة التي تبقى أسابيع ثم تَبلى فتُرمى للكلاب.

الشعب يستطيع أن يستمر في المظاهرات والاعتصامات والإضرابات سنة وسنتين وثلاث سنين. قد يفقد في السنة عشرة آلاف شهيد، لكنه -مع ذلك- يستطيع الاستمرار، وقد يُعتقَل من أحراره عشرة آلاف أو عشرون ألفاً أو ثلاثون، لكنه يستطيع الاستمرار، أما النظام فالوقتُ الذي يملكه محدودٌ وهو يتآكل على الدوام. إن المهلة التي يمكن أن يُعطاها من المجتمع الدولي محدودة، ولا بد أن تنفد وينقلب عليه المجتمع الدولي. وقدرة إعلامه (المهترئ أصلاً) على تبرير جرائمه وحماقاته محدودة، وقد انفضّ عنه أكثر الناس في الداخل والخارج ولم يبقَ من سامع له أو متابع إلا القليل، وهؤلاء ينفضّون عنه واحداً بعد واحد، ويقترب حثيثاً اليومُ الذي لن يغنّي فيه هذا الإعلامُ إلا لنفسه. وقدرته على ضبط عناصر أجهزته لن تدوم، بل إن قدرة قادته وكبار مجرميه على الصمود تتلاشى مع استمرار الضغط واستطالة الزمن.

فكروا في مسؤولي وقادة النظام. إنهم يخوضون معركة بقاء أو فناء، فهم حرقوا مراكبهم من عقود حينما قطعوا بالشعب كلَّ علاقة إنسانية ولم يُبقوا سوى علاقة القهر والحديد والنار، ويعلمون أن الشعب لن يقبل بالتوقف في منتصف الطريق. لذلك ترونهم يحاربون بتلك الشراسة، لأنهم أيقنوا أنهم يخوضون حرباً ينتصرون فيها أو ينتهون إلى واحد من مصيرين: إما أن يفروا من البلاد أو يواجهوا محاكم المنتصرين. وهم لن يخشوا الانتقام الظالم، بل سوف يخافون من محاكم العدالة التي لا بد أن تنتهي بالمئات منهم إلى أعواد المشانق!

هؤلاء المجرمون ينامون والحبل مُلْتَفٌّ حول أعناقهم، ثم يستيقظون وقد اشتدت عقدة الحبل حول الأعناق ضيقاً. لقد كانوا أمس في بلاء فصاروا اليوم في بلاء أشد وأنكى، وسوف يكونون أعظمَ بلاءً في الغد وفي غداة الغد. إنهم إذا أمسوا يخشون ما سوف يأتيهم به الصباح، وإذا أصبحوا يخشون ما سوف يأتيهم به المساء، وإذا انقضى أسبوع لم يعرفوا ما يحمله الأسبوع الآتي بعده، فأنّى لهم الراحةُ ومن أين يأتيهم الاطمئنان؟

إنهم ما يزالون يجرّبون الأسلوب بعد الأسلوب ويراقبون نتائج حملاتهم بتوتر وقلق، فلا تأتيهم إلا بالمزيد من التوتر والمزيد من القلق. إنهم كالمريض المُدنِف الموشك على الموت، يجرّب الدواء الأول ويلبث ينتظر نتيجته فيجد المرض قد زاد، ويجرب دواء آخر وينتظر قليلاً، ثم دواء ثالثاً ورابعاً، والمرض أبداً في ازدياد، ألن يتسرب اليأس أخيراً إلى قلبه؟ ألن يقتله القلق والهَمّ والوهم قبل أن يفتك به مرضه؟

هل يمكنكم أن تتخيلوا حجم الضغط النفسي الذي يعاني منه مَن كانت هذه حاله؟ لذلك نقول إن الزمن جندي من جنود ثورتنا المباركة. الزمن في صالح الثورة وفي صالح الشعب، وكلما مر يوم ونحن صامدون اقترب عدونا من الانهيار والاستسلام، فكل إنسان يملك طاقة محدودة على المقاومة لا بد أن تنفد مع الوقت، وإنما النظام -في الحقيقة- جماعة من الناس يصيبهم ما يصيب الناس من تعب ورَهَق. فاثبتوا واصبروا، وإنكم إن شاء الله لَمنصورون.

قبل أسابيع نُشرت عن رئيس اليمن أنباء تقول إنه لا يكاد ينام من الليل إلا قليلاً وإنه على حافة انهيار عصبي، فما بالكم إذن بقادة النظام القمعي في سوريا؟ أتظنون أنهم ينامون كما تنامون أو أنهم يهنؤون بطعام كما تهنؤون؟ لا والله لا يفعلون، بل هم في شغل عن المنام وعن الطعام بما يخشونه من حمل مرعب في رحم الأيام. فاستمروا في الضغط يا أبطال الشام، لا تتوقفوا وامضُوا إلى الأمام، فإنما هو واحد من اثنين: نصر عظيم أو موت كريم.
_________________________________ 


الثورة السورية: عِبَر وفِكَر (5)
28 أيار 2011

الزمن جندي من جنود الثورة
(2 من 2)
مجاهد مأمون ديرانية

لو فكرتم في حرب المظاهرات التي نخوضها مع أجهزة الأمن فسوف تدركون أن المتظاهرين يستطيعون أن يخوضوا هذه الحربَ إلى ما لا نهاية، أما عناصر الأمن فإنهم يقتربون بمرور الأيام من الانهيار.

أولاً يتفوق المتظاهرون في العدد، فهم يستطيعون أن يحشدوا في الشوارع مئات الآلاف فيما يبقى في البيوت الملايينُ من "عناصر الاحتياط"، ويستطيعون أن يبدّلوا عناصرهم فيرتاح قوم ويتظاهر آخرون بالتناوب، أما عناصر الأمن فإنهم مستنفَرون جميعاً ولا يُسمَح لهم بالراحة. ثم إن المتظاهرين يملكون مفاتيح الزمان والمكان، فهم قادرون على التظاهر في حي أو حيّين من المدينة، في حين يضطر الأمن إلى توزيع قواته وعناصره على الأحياء كلها لأنه لا يعلم أين ستخرج المظاهرات. وأخيراً فإن المتظاهرين يمكن أن يخرجوا عصراً أو عشاء أو بعد منتصف الليل، بل يمكن أن يخرجوا يوماً ولا يخرجوا يوماً آخر، ولكن الأمن لا يعلم متى سيخرج هؤلاء العفاريت، فلو سرّح قواته وسمح لهم بإجازة ساعة في اليوم فقد تخرج المظاهرة في تلك الساعة، ولو أراحهم يوماً في الأسبوع فربما خرجت المظاهرات في ذلك اليوم. وهكذا يضطر عناصر الأمن إلى المرابطة في الشوارع متأهبين للحركة ليلاً نهاراً سبعة أيام في الأسبوع، أما المتظاهرون فإنهم يمكن أن يتظاهروا في الأسبوع عشر ساعات، وسائر ساعات الأسبوع ينفقونها في أشغالهم وفي بيوتهم، يمارسون حياتهم الطبيعية وينامون ويأكلون ويشربون.

ولم يكفِ عناصرَ الأمن ما بهم من بلاء حتى اخترع المتظاهرون في المدن السورية اختراعاً جديداً سمّوه "المظاهرات الطيّارة"، فتخرج ثلة منهم إلى شارع من الشوارع ويبدؤون بمسيرة صاخبة بالهتافات، ويسمع عنها عناصر الأمن -من مخبريهم وعيونهم المبثوثة في كل مكان- فيُهرعون إلى موضع المظاهرة، فإذا هي قد تفرقت واختفى الناس فلا يجدون أحداً. ثم يصلهم الخبر عن أخرى في حي آخر، ويركضون فلا يجدون أحداً، وهكذا لا يزالون يقفزون من شارع إلى شارع ومن حي إلى حي حتى ينقضي شطر الليل وما ظفروا بأحد، فلا يرتاحون ولا ينامون، وأصحابنا شارك كل منهم في "نزهة قصيرة" ثم ذهب إلى سريره فنام فيه قرير العين!

ثم لم يكْفِهم هذا الاختراع وما كادوا يمتصون الصدمة الأولى حتى طلع عليهم الشعب الثائر المبدع باختراع أشد هولاً وأعظم أثراً، فأنساهم الهمُّ الجديد سائرَ ما كانوا فيه من هموم، وبات ذلك الاختراع يدفعهم في طريق الجنون! وما هذا الاختراع الجديد؟ ليس سوى أن يجلس الناس في بيوتهم ويبدؤوا بالتكبير، الرجال منهم والنساء والكبار والصغار، فترتَجّ الشوارع بالنداء السماوي الذي يرتقي معه المكبّرون بأرواحهم المعنوية إلى عنان السماء، فيما تنحدر معنويات العناصر الأمنية إلى قرارات الأرض، وما تزال التكبيرات تنزل على رؤوسهم كالمطارق حتى تُتلف أعصابهم وتصيبهم بالانهيار بإذن الله.

وأخرى بالنسبة للأمن أسوأ من كل ما سبق. المتظاهر لا يعمل موظفاً عند أحد، فهو يخرج إلى المظاهرة لأنه قرر الخروج فيها مختاراً غيرَ مُكرَه، وهو يستمتع بكل خطوة يخطوها وكل هتاف يهتفه، فمع كل متر يقطعه على الأرض يقطع مئة متر في طريق الحرية الذي طالما اشتاق أن يمشي فيه في الماضي ولم يستطع، وكلما فتح فمه ليهتف تدفقت إلى رئتيه نسائمُ الكرامة التي طالما حنَّ إليها ولم يجدها. فإن مشى مئة متر ورجع إلى بيته لم يَلُمْه أحد، وإن أكمل مع المسيرة ميلاً وعاد لم يسأله أحد، وهو إن شاء هتف وإن شاء لم يهتف، وإن أحب أن يحمل يافطة أو لوحة حمل وإن لم يحب لم يحمل، هو ملك نفسه ولا سلطان لأحد عليه. أما عنصر الأمن فلا خيار له إلا الالتزام بالعمل والمداومة عليه بالليل والنهار، ولا يستطيع أن يقطعه لينام في بيته إن شاء أو ليرتاح، وهو إن قَصّرَ وفشل في عمله لامه رؤساؤه أو عاقبوه، وهم ليسوا فقط غِلاظاً شِداداً علينا، بل هم كذلك بعضُهم على بعض، وكما نسمع منهم نحن كل بذيء فاحش من القول ونرى كل قبيح عنيف من الفعل، فكذلك يسمع ويرى كلُّ صغير فيهم من كل كبير.

قبل عدة أشهر غضب الأردنيون على حكومتهم فدأبوا على تنظيم مظاهرات في قلب عمّان بعد صلاة الجمعة أسبوعاً بعد أسبوع، وكلما تظاهر الناس كان رجال الأمن هناك يحيطون بجانبَي المظاهرة ويحرصون على سلميّتها وسلامتها وتنظيمها، لم يضطروا إلى الاشتباك مع أحد ولا بذلوا جهداً يُذكَر (إلا أنهم بادروا في الأسبوع الأول إلى توزيع قوارير الماء على المتظاهرين!) ومع ذلك فقد أصدرت جماعةٌ منهم بعد أسابيع مناشَدةً إلى المتظاهرين يرجونهم فيها أن يختاروا يوماً غير الجمعة أو مكاناً غير وسط المدينة، ذلك أنهم -كما قالوا- يريدون أن يُمضوا مع أسرهم يومَ إجازة يرتاحون فيه ويتواصلون مع أولادهم وأهاليهم، وقد حُرموا إجازاتهم الأسبوعية بسبب تواتر المظاهرات في كل جمعة في المكان نفسه!

ذلك أمر حقيقي حدث في الأردن وقرأنا عنه، وهو يدلكم على التعب الذي يصيب عناصر الأمن من متابعة المظاهرات، هذا وهي مظاهرات صغيرة تمشي ميلاً ثم تنفَضّ ولا يُطالَب عناصر الأمن ببذل أي جهد حقيقي أمامها، فلا يركضون هنا وهنالك ولا يَعتقلون هذا ويَضربون ذاك... فتخيلوا إذن حال عناصر الأمن في شوارع سوريا، وهم مكلفون بمتابعة المظاهرات ساعات طويلة في كل يوم من أيام الأسبوع، وهم مكلفون بالركض والاعتقال والتنكيل بالمتظاهرين. وبعد ذلك كله يسمعون من رؤسائهم التبكيت والشتم لأن المظاهرات ما تزال تخرج ولأنهم يخسرون المعركة اليومية مع المتظاهرين!

النصر في هذه المعركة وراء باب الصبر، فأما نحن فصابرون، وأما هم: فإلى كم يصبرون؟

الأحداث في سورية حركة تاريخية لا يمكن ايقافها

الأحداث في سورية حركة تاريخية لا يمكن ايقافها

خولة دنيا*

تاريخ النشر: May 28, 2011 
 منذ بداية الأحداث في سورية.. وتطورها لتتحول من انتفاضة كرامة إلى ثورة نتلمس نضجها يوماً بعد يوم، كان وما زال الحديث عن الطائفية وأن ما يحدث له جانب طائفي.. كان الحديث متداولاً إن على’المستوى الرسمي وإعلامه.. أم على المستوى الشعبي، وللأسف يبدو أن مثل هذا التكهن وهذا التوقع له آذان صاغية على الأرض.. فهل حقيقة أن ما يحدث في سورية هو حركة طائفية فعلاً .. وأن تطورها يمكن أن يؤدي إلى فتنة وحرب طائفية كما يتخوف الكثير من السوريين.
لا يمكننا إنكار أن سورية بلد متعدد الطوائف كما أنه متعدد الاثنيات.. وهذا بجانب من جوانبه روح البلد وأحد ميزاته..’كما أنه أحد جمالياته وما يعطيه غنى وعمقاً يتجلى في هذا الاختلاط والتنوع الثقافي والديني، والقومي كذلك.’
ولكن ما علينا معرفته والتأكيد عليه أن سورية لم تكن في يوم من الأيام إلا كما هي اليوم بلد التنوع والفرادة والتعايش والتساكن، كما أنها البلد الحاضن لكل من فرَّ من بلده بداعي الاضطهاد، ولذلك رأينا بيننا الأرمني والشركسي، كما رأينا العراقي واللبناني والفلسطيني.
وملامح الشعب السوري تعكس هذا التمازج الحضاري الجميل.. فترى الوجه الآشوري والسرياني’الروماني واليوناني والفرنسي والتيمورلنكي الآسيوي.. كما ترى الوجه العربي والمتوسطي.. والأفريقي والكردي والشركسي والأرمني.
هي سورية الملونة بكل جدارة فلا غرابة أن ترى فيها المسلم بكل أطيافه (السني بتنوعاته، والعلوي بتنوعاته كذلك، والإسماعيلي بتنوعاته كذلك، والشيعي والمسيحي كذلك بتنوعاته..) وكان من الممكن أن ترى اليهودي كذلك وإن كان وجوده قليلاً بسبب مأساة فلسطين والهجرة إليها أو الهجرة إلى خارج سورية بسبب الضغوط على اليهود، إلى دول أخرى أوروبية أو أمريكية.
سورية التي تحتضن كل الفصائل الفلسطينية، والمعارضة العراقية السابقة واللاحقة .. والتي تفتح أبوابها لكل العرب العاربة والغاربة.. سورية هذه هل هي بلد طائفي بالفعل وهل هي مرشحة لفتنة طائفية كما يترسخ الآن في الوجدان الشعبي السوري؟
يحاول الكثيرون عدم مناقشة المسألة الطائفية في سورية على اعتبار أن فتح الموضوع يمكن أن يخلقه من العدم، بحسب اعتقادهم.
ولكن بالنسبة لي ولكثرة ما سمعت عن الفتنة، أظن أن الوقت حان لمناقشتها ووضع حد لها إن كانت بالفعل موجودة.. أو بسطها على الأرض ورؤية احتماليات إثارتها فعلاً لا قولاً.
لقد هالنا جميعاً التجييش الذي مارسته السلطة السورية ومنذ الأيام الأولى للحراك السوري باتجاه الفتنة الطائفية.. ولقد برز هذا في مظاهر عدة:
ـ ما تم تداوله عن خطة بندر بن سلطان وهي الموجهة أساساً إلى الطائفة السنية في سورية.
2 ـ ما حكي عن وجود سلفيين في مناطق درعا ودوما وغيرها من المناطق السنية في درعا ومحيط دمشق.
3 ـ ما يتم تداوله من أن العلويين مهددون من قبل السنة في مناطق الاختلاط الطائفي (حمص واللاذقية وبانياس).
4 ـ ما تم تداوله أخيراً في تلكلخ من وجود عصابات مسلحة يدعمها الحريري وهي سنية كذلك.
قد يكون من المفيد هنا مناقشة الخريطة الدينية والطائفية في سورية لمعرفة مواقف عدد من الأطراف مما يجري، ولماذا كان موقفهم كذلك:
لا يخفى على أحد أن الغالبية الدينية في سورية هي للسنة، ولكن هذا لا يعني أنها غالبية عظمى (فهي تتضمن الأكراد والشركس.. كقوميات) ولهؤلاء وضع مختلف والقومية لديهم أهم من التصنيف الديني بسبب فقدان الحقوق لدى الأكراد خاصة ونضالهم المطلبي من أجل استرداد هذه الحقوق بالدرجة الأولى.
كذلك فالأقليات الدينية الأخرى في سورية يمكن أن تتفق إذا استشعرت خطراً ما يواجهها بالمعنى الديني (الشيعة والعلويون والاسماعيليون والدروز والمسيحيون) وهم بهذا المعنى قوة لا يستهان بها.. في حال وجود حركة سلفية حقيقية تريد إعلان إمارات إسلامية كما يروج النظام.
وعلى الأرض نرى أن الصراع لحد الآن اتخذ طرفين هما السنة والعلويون..’هذا الصراع حاولت السلطة تأكيده بأشكال مختلفة في مناطق الاختلاط خصوصاً، وفيها رأينا مظاهر لا يمكن لأحد ألا يلاحظها:
ـ تسليح مناطق واسعة من قرى العلويين في الساحل خصوصاً’من قبل الشبيحة’ورجال بيت الأسد.. ومحاولة استثارة الحمية الدينية لديهم لمواجهة السنة الذين يريدون قتلهم.. وهذا للأسف وجد له رواجاً بين الكثيرين هناك بسبب ما خلفته أحداث الثمانينات من نقمة لم يقم النظام بعلاجها وإنما تركها كالنار في الجمر تنتظر أي لحظة لتشتعل.
- تصوير أن الكثير من الجنود والضباط الذين يقتلون هم من العلويين وأن قتلهم كان طائفياً بحتاً.
- تجييش الشباب العلوي لمواجهة الاضطرابات والمظاهرات كرديف للشبيحة، وهنا تم الاعتماد على طلاب بالجامعات وما يسمى باتحاد الطلبة وأن ما يجري هو نزاع طائفي لا مدني، وأن المظاهرات هي لقلب الحكم العلوي (وهذا كما نعلم بعيد تماماً عن الصحة، ولكن بغياب الوعي وبزيادة التجييش لا يمكن الاعتماد على نفاذ بصيرة هؤلاء للأسف).
الاعتماد على فرق الجيش الأكثر ولاء طائفياً كالحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة وهنا يجب إيضاح أن النظام لم يحاول لحد الآن إدخال الجيش بشكل عام في قمع المدن .. وإنما اعتمد بشكل أساسي على الفرق الأكثر تأييداً وولاء له.
-أيضاً على مستوى الأمن، وعلى الرغم من علمنا أنه يوجد الكثير من عناصر الأمن من مختلف الطوائف، غير أن أدوات القمع الرئيسية كانت تعتمد على فرق موالية طائفياً، وإن احتوت على الأقليات المسيحية والدرزية والاسماعيلية.. ولكن بشكل أساسي كان الاعتماد على العلويين، خاصة أمن الدولة والأمن العسكري.
- يضاف لذلك الإعلام الرسمي الذي وإن لم يذكر أسماء الطوائف بشكل صريح ولكن كل الإشارات تشير إليه.. من خلال نقل جنازات الجنود وعناصر الأمن، ومن الواضح أنهم بأغلبهم علويون، وكذلك في نقل نداءات تدخل الجيش بلهجات لا تخفى على أحد.. وكذلك في نشر دعوات الفتنة وتأكيد وجودها بشتى الطرق.’
من جهة أخرى نرى حياداً واضحاً في أطراف أخرى من المعادلة السورية:
هناك فرق من السنة (في المدن الكبرى تحديداً) يخافون مما يسمى السلفية، وهم يولون اهتمامهم لمصالحهم أكثر من نظام الحكم.. وهؤلاء وإن كانوا لا يمانعون التغيير ولكنهم لا يجسرون على المشاركة فيه.
كذلك الأقليات الأخرى، فالمسيحيون يعتبرون أن نظام الحكم القائم على علاته أرحم من وجود نظام حكم يتولى فيه السنة بتعصبهم (كما يعتقدون) الحكم فيه.
كما يذكر لي بعض الاصدقاء الدروز ان البعض يشيع أن (ضربة العلوي أرحم من بوسة السني) ويعتبرون أن أمانهم مرتبط باستمرار الحكم الحالي.. ولا داعي للمخاطرة بسلطة جديدة.. وكذلك يفكر الاسماعيليون..
أما الأكراد فقد حسموا ترددهم لجهة دعم الانتفاضة (وإن بخجل) لأنهم رأوا فيها فرصة لدعم مطالبهم وخياراتهم في الانتماء لوطن حاربوا كثيراً للحصول على حقوق المواطنة فيه.
ومع دخول الانتفاضة شهرها الثالث واستمرار زخمـــها وامتدادها، كيف يمكن معالجة نواقص الخريطة الدينية والقومية السورية؟
من الواضح أن المشكلة في سورية هي مشكلة ثقة، لا مشكلة طوائف، فلا أحد يستطيع الرهان على المجهول وما قد يأتي به.
وتتبدى مشكلة الثقة هذه في مواقف العلويين خصوصا، وخوفهم من الانتقام (وهو ما تعززه السلطة وبلطجيتها، في مظاهر مختلفة وما تبثه من رعب وإشاعات) فيبدو من الأهمية بمكان لتعزيز هذه الثقة:
-العمل على فصل السلطة عن مكونها الديني بمعنى فك الارتباط بين العلويين كطائفة، وآل الأسد ونظام الحكم كنظام فاسد يجب التخلص منه. فكيف يمكننا تعزيز فك الارتباط هذا؟ من المهم هنا العمل الدعائي والإعلامي والابتعاد عن التسميات الدينية، من قبيل القول ان الحركة بظاهرها ذات طابع سني لكنها ذات طابع شعبي عام بالحقيقة، وهذا يمكن تأكيده من خلال الالتقاء بين شخصيات من مختلف مكونات المجتمع ووجود خطاب وطني موحد.. ويجب ألا ننسى أن تأخر الحركة والانتفاضة في سورية من فرز قياداتها وإبراز مطالبها الواضحة قد ساهم في تعزيز فكرة الطائفية في البلد ولدى الأقليات التي تشعر بالخوف..
فوجود قيادة موحدة من مختلف الشرائح والمكونات المجتمعية والدينية السورية يعزز الثقة بين مكونات الشعب، خصوصاً عندما تكون هذه القيادات معروفة باعتدالها ووطنيتها وابتعادها عن المصالح الشخصية، لصالح الوطن.
- العمل على فضح أساليب النظام، وهذا يتطلب جهداً كبيراً لا يستطيع المنتفضون السوريون القيام به لوحدهم، وهنا يأتي دور السوريين المقيمين في الخارج، ومن تضرروا من هذا النظام، ومن لهم مصلحة بالتغيير، فهم كثيراً ما يتساءلون عما يمكنهم القيام به، وقد تكون متابعة وسائل الإعلام السوري وفضح ممارساتها وخطابها الطائفي من أهم الأدوار التي يمكن أن يقوموا بها، وذلك بنشر ما يتم تداوله في سورية مفضوحاً ومرفقاً بالأدلة على الفتنة التي يريد النظام بثها..
-تعرية جميع الشخصيات والهيئات التي تدعم النظام من أي جهة أو طائفة كانت، وهم ليسوا بالقلائل أبداً وليسوا مقتصرين على طائفة بعينها، وهؤلاء نجدهم في المدن والقرى وفي تسلسل الحكومة والنظام وأجهزة القمع. إن فضح هؤلاء له أهمية كبيرة على صعيد بث الثقة بين السوريين، فالمطلوب إزاحة الفاسدين والمنتفعين جميعا من أي جهة كانوا.
ـ إلقاء الضوء على حركات الاحتجاج لدى الفئات والطوائف المختلفة، كي لا تظهر الحركة مقتصرة فقط على فئة واحدة.. فلقد حصلت حركات احتجاج في السويداء والسلمية ومدن أخرى لم تأخذ ما تستحقه من اهتمام، ولقد حاول النظام الالتفاف عليها وحلها مع وجهاء ومشايخ المدن، كما لم يتم قمعها بنفس العنف الممارس في مناطق أخرى، وذلك كسباً لولاء الأقليات وعدم إثارة حفيظتهم ومشاركتهم في الاحتجاجات من خلال تمييزهم عن غيرهم والإبـــقاء على فكرة أن الاحتجاج سلفي ديني كما يدعون.
‘-أخيراً: من الأهمية كذلك العمل على جذب الطوائف والشرائح الواقفة على الحياد، والتأكيد أن ما يحصل يعني الجميع ويصب في مصلحة الجميع.
ويجب عدم نسيان التأكيد على سلمية الحركة، ورفض جميع أشكال استعمال السلاح (وهو ما حدث في بعض المناطق) مع العلم أن هذه الحوادث فردية، ويجب فضحها كذلك، التزاما بشفافية الحركة وصدقها وبالتالي تعزيز الثقة بها. إن حالات استخدام السلاح أو العنف يجب رؤيتها في سياقها واللحظة التي تمت بها وبمواجهة أي ظرف.. مع المطالبة بعدم الانجرار وراءها لما في ذلك من إضرار بالحركة ككل، وما قد يتم استغلاله من قبل النظام لمزيد من العنف والقتل بحق المدنيين.. ولنا في ذلك قدوة في ثورة اليمن.
‘نحن جميعاً أبناء سورية، ويجب ألا ننسى أننا كنا قائمين ومتعايشين فيها وبأفضل الأشكال وساهمنا في تحريرها وبنائها قبل وجود حكم البعث أو حكم آل الأسد.. ويجب أن نبقى كذلك ..
فلا خوف على البلد وعلى التعدد الطائفي والإثني فيه.. فهو مكون جمالي وثقافي وتاريخي كان وسيبقى ويجب أن نورثه بغناه وتنوعه لأبنائنا من بعدنا.. علينا جميعاً أن نزيل الخوف ونكرس الثقة..
وما يحصل هو حركة تاريخ لا يمكن إيقافها لمصلحة فئة تريد إشعال البلد فقط لبقائها ومصالحها المحدودة..
فلنعمل معاً من أجل تكريس الثقة ومن أجل سورية أجمل وأكثر حرية.
*كاتبة من سورية

حكاية ضَيْعَة وسوريا

حكاية ضَيْعَة
مجاهد مأمون ديرانية

أعلم أنكم في شغل عن قراءة حكاياتي، لكنّ رغبةً استبدَّتْ بي لحكايتها اليوم لم أجد لها دافعاً، فاسمعوها مني فإنها لن تستغرق من الوقت الكثير.

سأحكي لكم حكاية ضيعة وُلدَت في هذه الدنيا قبل أن أولد أنا بعشر سنين، ضيعة اسمها... لا، دعونا نبدأ الحكاية من أولها. ولا بد أنكم ستسألون: وهل تولد ضيعةٌ من العدم؟ لا يحصل هذا بالتأكيد، بل إن لهذه الضيعة أصلاً في التاريخ يعرفه العارفون، فقد كانت جزءاً من إقليم كبير ساحر عامر بالخيرات والبركات، ثم عَدَتْ عليه -ذات ليلة- عصاباتٌ من قُطّاع الطرق فاستَلَبَتْه من أهله بقوّة المدفع والبارود، ولم يكفِها ما فعلت حتى راحت تَخُطّ على الأرض خُطوطاً ثم تبني فوقها أسْيِجَة تفصل القطعةَ منها عن القطع الأخريات، فصار الإقليم الواحد -منذ تلك اللحظة- ضِيَعاً متناثرات.

ثم هَبَّ أهل ضيعتنا أولَ ما هَبَّ أهلُ ضعة قَطّ، فقاتلوا قاطع الطريق وأجْلَوه عن ضيعتهم، ثم اختاروا من بينهم مختاراً يدير ضيعتهم على المنهج الذي يرتضون. فلما رأى جيرانهم من أهل الضِّيَع ما صنعوا هَبّوا على إثْرهم واقتَدَوا بفعلهم، فأجلى أهلُ كل ضيعة عن ضيعتهم قاطعَ الطريق، وصار لكل ضيعة مختارٌ كما صار لضيعتنا مختار.

ثم إن أهل ضيعتنا ومختارَها اختاروا من بينهم نواطيرَ يحرسون مداخل الضيعة من جنوب وشمال وشرق وغرب، على راتب يصرفونه لكل واحد منهم في آخر كل شهر كما هو شأن النواطير في كل الضيع، وعلى أن يكون اختيارهم وتعيينهم وفصلهم بأمر من المختار ورضا من أهل الضيعة. وجرى الأمر على ذلك المنهج بضع سنين، إلى أن جاء يوم مشؤوم.

الجزء السابق من الحكاية لم أشهده ولكني رويته لكم بالسماع، أما الفصول التالية منها فإنّي عشتها وأرويها رواية الشاهد. في ذلك اليوم المشؤوم بيّتَ ناطورٌ من نواطير الضَّيعة الغدرَ بمختارها وأهلها وهم نائمون، فاتفق مع أصحاب له تنطوي قلوبهم على مثل الخبث والغدر اللذَين ينطوي عليهما قلبُه، فوثبوا على بقية النواطير وهم غافلون وأخذوا مواضعهم من الضيعة، ثم أوثقوا المختار وعزلوه، وقال الناطور الغادر: أنا مختاركم منذ اليوم وأصحابي هم النواطير.

وحَسِبَ أهل الضيعة أنه إنما استُبدل مختارٌ بمختار، وكانوا للأول محبّين وعنه راضين، لكنهم لم يقدروا على الاعتراض لمّا رأوا النواطير الجدد يحفّون بالناطور القديم -وقد نادوا به مختاراً على الضيعة- وفي عيونهم نُذُر الشر وفي أيديهم نافثات الشّرَر، فسكتوا وأذعنوا ورجَوا أن تأتيهم الأيام بما يرضيهم. لكن الناطور القديم لم يفعل ما فعله من غدر ومكر ليفوز بالمَخْترة على صورتها الأولى، بل كانت له أطماعه التي أجّل إعلانها حتى يطمئن إلى سكوت أهل الضيعة، فلما رآهم ساكتين (وإنما هو سكوت المضطرين المُستضعَفين) كشف خطته وأظهر سوء نيته، فأغلق بوابات الضيعة ووضع عليها نواطير يمنعون أحداً من الدخول إليها والخروج منها إلا بإذنه، ثم ظهر للناس من الغد فقال: لقد امتلكت هذه الضيعة بما فيها فهي لي منذ اللحظة، واسترققتكم وذراريكم فأنتم مماليكي منذ اليوم!

ولأنه عاش في الضيعة زماناً قبل أن يفعل فعلته التي فعل، فقد كان أخبرَ بأهل الضيعة من غيره ويعرف أنهم لا يسكتون على ضيم، فاستبق الغضب الآتي بأن جمع أخبث أهل الضيعة وأجرأهم على الإجرام (ولكل ضيعة في الدنيا حظها من مجرميها) فصنّفهم في عصابات سمّاها "أجهزة أمن" (يريد أمنه وأمن أسرته)، وعلّمهم من فنون القتل والإجرام ما لا يكاد إبليس نفسه يعرف نصفه ولا ربعه، ثم أطلقهم في أهل الضيعة كما يطلق الصيّادُ كلابَه في الطرائد، فعاثوا في الضيعة فساداً وساموا أهلَها خطة الذل والهوان، وصار أهل الضيعة يصبحون كل صباح فيفتقدون واحداً منهم، فيعلمون أنه صِيدَ بليل، ثم لا يجرؤ أن يسأل عنه أحد، لأنهم كانوا -لمّا بدأت المحنة- سأل بعضُهم عن بعض، فلحق السائلُ بالمسؤول عنه واختفَوا أجمعين! فعندئذ تعلّموا أن لا يسأل أحدٌ عن أحد، ومنذئذ اعتادوا أن يموتوا صامتين.

فلما انقضت عشرُ سنوات عِجاف واشتدّ الضيق برهط من أهل الضيعة قاموا ذات يوم يطلبون شيئاً من أصل حقهم الذي أكله المختار، فأطلق عليهم كلابه ومجرميه فنهشوا منهم مَن نهشوا وقتلوا مَن قتلوا، وغاب وراء الشمس رهط من الأخيار، ودُمِّر جزء من الضيعة وأُبيد ساكنوه، وسكت الناس، وامتدت المحنة دهراً آخر طويلاً لم يَبْدُ له من آخِر!

لقد سرق الناطور الخائن الضيعةَ واستَرَقَّ أهلها ثلاثين سنة، فلما مات ورث ابنُه الضيعةَ وأهلها كما يرث الحيُّ ملابسَ الميت وحذاءه! ذهب ناطور خائن كبير وجاء ناطور خائن صغير، فمضى على سيرة أبيه وأطلق لعصاباته اليدَ توغل في دماء أهل الضيعة وأموالهم كما صنع أبوه من قبل. واستمرّ على ذلك عشرَ سنين، يجوس هو وعصاباته في الضيعة آمنين غافلين عن كأس الصبر التي ما زالت تمتلئ عاماً بعد عام، فما بلغت السنةُ العاشرة آخرَها بقي في الكأس مقدارُ قطرة، حتى إذا دخلت السنة الحادية عشرة قَطَرت في الكأس قطرة الختام، وحين قطرت التي بعدها فاضت كأس الصبر!

في تلك اللحظة هَبَّ أهلُ الضيعة هبّةَ رجل واحد وقالوا للمختار الجديد: ارحل!

كانت تلك هي المرة الأولى التي تجتمع فيها هذه الحروف الأربعة في حلق رجل من أهل الضيعة ثم يلفظها في كلمة واحدة وبصوت مسموع! ولأنها سَبَحت في سماء الضيعة للمرة الأولى بعد غياب أربعين سنة فقد احتاج المختار إلى بعض الوقت ليفكّ رموزها ويفهم معناها، حتى إذا فعل وأفاق من دهشته قال لهم: لا أرحل حتى ترحلوا كلكم عن هذه الدنيا... ثم أطلق عليهم كلابه ومجرميه وقال لهم: اقتلوا منهم من تقتلون وعذِّبوا من تعذبون، فإني خيرتهم بين اثنتين: أبقى ويعيشون أو أرحل ويموتون!

لعل الفضول -في هذه النقطة تحديداً- يدفعكم إلى السؤال عمّا صنعه مخاتير الضِيَع المحيطة بضيعتنا؟ حسناً، سأخبركم: فأما مختار الضيعة الفَوْقا فاقترح أن يُمنَح مختارُ الضيعة عشرَ سنين أُخَر لعله يُصلح ما أفسده هو وأبوه في السنين الماضية الأربعين، وأما سائر المخاتير فصنعوا أفضل ما يمكنهم أن يصنعوه، لم يصنعوا أي شيء، وقالوا أفضل ما يمكنهم أن يقولوه، لم يقولوا أي شيء!

والآن ستسألون: ما اسم هذه الضيعة؟ وماذا حصل في آخر الحكاية؟

في حكايتنا هذه تحديداً اسمُ الضيعة هو "سوريا"، ولكن الحكاية تصلح لأن تُروى عن ضِيَع كثيرة، وسوف تتفق كلها في التفاصيل وتختلف الواحدة عن الأخرى في اسم المختار. ولكن متى كان اسم المختار هو الأهم؟ ألم تعلموا -مما قرأتم في دروس التاريخ- أن الضِّيَع تبقى، وأن المخاتير يأتون ويذهبون؟

أما نهاية حكايتنا فلن تختلف عن نهاية كل حكاية مشابهة: أطلق المختارُ الخائن الصغير ابنُ المختار الخائن الكبير كلابَه ومجرميه على أهل الضيعة، فروّعوها زماناً وفتكوا برهط من خيار أهلها، لكن الناس كانوا قد عزموا أمرهم ووطنوا أنفسهم على أسوأ ما يمكن أن يكون، فثَبَتوا بعزيمة أذهلت الدنيا، وقالوا للمختار: "لقد سرق أبوك الضيعة واسترقّ آباءنا واستذلهم فعاشوا صاغرين، وسكتوا، ثم وُلدنا نحن في الرِّق وعشنا صاغرين، وسكتنا حيناً، حتى إذا تحرك أولادُنا في أرحام نسائنا وأوشكوا أن يولدوا قررنا أن لا تنتقل العبودية من الأجداد إلى الأولاد إلى الأحفاد، وأقسمنا أنهم لا يولدون إلا ونحن أحرار"...

وتسألون عن خاتمة الحكاية؟ لقد أوفَوا بالقَسَم، فلم يولَد لهم ولدٌ إلا وهم أحرار.

هذا خطاب عام لكل سوري حر،

لا أقصد أحداً بذاته. هذا خطاب عام لكل سوري حر، وأرجو أن يقرأه أكبر عدد من الناس

آخر ما أحبه هو أن ألعب دور الناقد المتفلسِف، لكني أكاد أفقد أعصابي وأنا أرى إخواننا على أرض الرِّباط يخاطرون بأرواحهم ويضعون أنفسهم في عين الإعصار ليصوّروا مشهداً، ثم يَجهدون الجهد الكبير ليرفعوه على الشبكة، ويَمضي الأسبوعُ والأسبوعان ولا يتجاوز عدد مشاهديه المئات ولا يتكرم عليه بالإعجاب إلا بضع عشرات. ألا نعلم أن المشاهدة والإعجاب مما يرفع الفلم ويضعه في مواقع متقدمة في عالم اليوتيوب الذي يزدحم بملايين الأفلام، ويحميه من احتمال الحذف في بعض الأحيان؟

أرجوكم أنشؤوا حسابات في اليوتيوب لكي تستطيعوا تسجيل الإعجاب. أرجوكم شاهدوا كل مقطع يرفعه إخواننا، حتى لو شاهدتم جزءاً منه ولم يسمح لكم الوقت بمشاهدته كله فافعلوا يرحمكم الله، وسجلوا به الإعجاب، فهذا سهمنا من الجهاد.

ملحق: افتح الرابطين التاليين، الأول للشهيد أحمد ضَحّيك (من تلبيسة)، والثاني هو المقطع القصير الذي دفع حياته من أجله... ولا أدري إن كنت ستستطيع أن تمنع نفسك من البكاء!